والاستحواذ ولا طمعاً في خيرات البلاد المفتوحة ولا فراراً من شظف الحياة في الصحراء كما يقول كايتاني وغيره من المستشرقين.
روى الطبري في خبر مفاوضة المغيرة بن شعبة لرستم، وما رد به على عروض رستم المادية مقابل تخلي المسلمين عن القتال حيث أجابه المغيرة بقوله:"أتيناكم بأمر ربنا نجاهد في سبيله، وننفذ لأمره، وننجز موعوده، وندعوكم إلى الإسلام وحكمه، فإن أجبتمونا تركناكم ورجعنا وخلفنا فيكم كتاب الله، وإن أبيتم لم يحل لنا إلا أن نعاطيكم القتال أو تفتدوا نفوسكم بالجزية فإن فعلتم وإلا فإن الله قد أورثنا أرضكم وأبناءكم وأموالكم. فاقبلوا نصيحتنا، فوالله لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم ... "(١).
وروى الطبري أن ربعي بن عامر دخل على رستم قائد الفرس في مجلسه فسأله: ما جاء بكم؟ فقال:"الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد .. إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه، لندعوهم إليه"، إن ما قاله كل من ربعي بن عامر والمغيرة بن شعبة للفرس لم يكن يعبر عن شعور فردي، وإنما كان يمثل الفكرة المهيمنة على قيادة المسلمين ومعظم جندها المجاهدين، ولا يمنع هذا القول من مشاركة بعض الأعراب في الجهاد ممن تحفزهم العوامل المادية إلى جانب الرغبة في الجهاد، لكن هؤلاء لا يمثلون قيادة الحركة ولا روحها الموجهة، إنما أقرر ذلك لأن المجتمع المسلم مجتمع بشري فيه الصفوة الخيرة التي تلتزم المثل العليا وتخلص النية لله وتجعل كل همها كسب رضاه، وفيه طبقات دونها تأخذ نفسها بالحد الأدنى الذي يحقق لها صفة الإسلام.
وينبغي أن يتقرر بوضوح كامل أن تفسير حركة التاريخ الإسلامي في صدر الإسلام لا يمكن أن يقوم به إلا المسلم الذي يردد كل يوم قول الحق تعالى لنبيه