إن هذا المنطق والتصور يبدوان غريبين بالنسبة للمؤرخين غير المسلمين لأنهم يخضعون في مقاييسهم لقيم الحضارة الغربية، أما المؤرخ المسلم فإن الأمر يبدو بدهياً أمامه لأنه تمكن من تمزيق طوق القيم والمقاييس والتصورات المنبثقة عن الحضارة المادية الغربية ولم يتم ذلك إلا بعد الوعي الإسلامي الذي ظهرت آثاره في العالم الإسلامي المعاصر .. ومن آثاره التفلت من كماشة الحضارة الغربية والاستعلاء بالإيمان والإسلام عليها والشعور بالذات والاستقلال الروحي والفكري. وهو أمر يمثل الخطوة الصحيحة على طريق الحضارة إن شاء الله.
٤ - رفض منطق "التبرير" كأساس لتفسير تاريخ صدر الإسلام. إن هذا المنطق أثر للقهر النفسي والفكري الذي أحدثه الغزوة الفكري في عقولنا، ومن ذلك الأسلوب الاعتذاري الذي يستخدمه بعض المؤرخين المسلمين المعاصرين في الكلام عن الجهاد في الإسلام وحركة الفتوح الإسلامية واعتبارها دفاعاً عن حدود شبه جزيرة العرب أمام تحركات الفرس والروم، بل إن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم لم تسلم من هذا الأسلوب التبريري وجعلوها دفاعاً عن دولة المدينة المنورة (دراسة العلامة محمد شبلي النعماني عن السيرة مثلاً فهو على فضله وقع في هذا الخطأ). بل إن بعض المؤرخين المسلمين ذهب إلى نفي روايات صحيحة عندما عجز عن التبرير الذي يريده، فقد نفى أحد الكتاب (١) روايات ابن إسحق حول قتل مقاتلة بني قريظة، وهي ثابتة في كتب الحديث والسيرة والتاريخ. وكأنه يشك في عدالة قتلهم، فالتفسير الإسلامي إذا ليس دفاعياً تبريرياً بل ينطلق من اعتقاد أن الإسلام حق وما عداه باطل، وأن ما شرعه الإسلام من الجهاد وغيره حق لا يحتاج إلى اعتذار أو تبرير، حتى لو بدا ذلك غريباً أما الذهنية المهيمنة على الناس في القرن العشرين، لأننا لا نطوع "الإسلام وتاريخه" لأذواق الناس واتجاهاتهم الفكرية في "عصر معين" فما يحبذه
(١) د. وليد عرفات: في بحث قدمه في مؤتمر السنة والسيرة بقطر. وقبل ذلك في المؤتمر الدولي للتاريخ ببغداد.