في الأذهان بوضوح أن الجهاد لا يهدف إطلاقًا إلى فرض العقيدة الإسلامية على الناس بل يهدف إلى إزالة معوقات انتشار الإسلام في الأرض سواء بإضعاف القوى السياسية المعاصرة أو القضاء عليها بحيث يتم استعلاء المسلمين في الأرض وتمتنع فتنة أحد عن الإسلام حيثما كان.
إن ارتباط الجهاد بفرض العقيدة على الناس مبعثه الدعاية والتمويه الذي شحنت به الدراسات الاستشراقية، وإن فك الارتباط بين الاثنين ضروري لتصور الحقيقة، ويكفي أن القرآن الكريم أوضح بما لا يقبل الشك حرية الناس في اختيار الإسلام أو البقاء على النصرانية واليهودية حتى داخل المجتمع الإسلامي وضمن سيادة الدولة الإسلامية، وهذا ما تثبته آيات القرآن الكريم وتدعمه الوقائع التاريخية الصحيحة حيث رحبت الشعوب بتحرير الإسلام لها من سيطرة الرومان والفرس، وعبر القبط في مصر واليعاقبة في الشام عن سرورهم بالحرية الدينية التي أعلنها الإسلام، ولولا هذا الإعلان الصادق لحرية المعتقد لذابت سائر الأقليات الدينية في المسلمين ولما حافظت على وجودها حتى الوقت الحاضر رغم مرور أربعة عشر قرنًا على ظهور الإسلام.
إن دراسة الواقع التأريخي لانتشار الإسلام تكشف عن حقيقة اعتناق الناس للإسلام منذ عصر السيرة، وأنه كان يتم في ظروف السلم بنطاق أوسع بكثير من ظروف القتال، فعدد من دخله بعد صلح الحديبية كان أضعاف عدد من دخله قبل الصلح. وكانت البعثات الدعوية في عصر السيرة إلى البوادي تترى رغم الأخطار المحدقة بها، وقد استمر انتشار الإسلام بعد انحسار سلطانه العسكري والسياسي، ومازال يمتد في العصر الحديث فلا شك إذًا في تهافت مقولة إن الإسلام انتشر بالسيف.
إن وصف حركة الفتح بأنها دفاعية هو محاولة تبريرية لا تصمد لأية مناقشة جادة، فهل اعتدى سكان الأندلس أو ما وراء النهر على حدود المسلمين ليفتحوها؟ وهل تأمين الحدود يقتضي التوغل في القارات الثلاث، آسيا وأوربا