الفتن والشقاق مما أدى إلى وحدة الصف الداخلي، ورغم أن هذا التصور يبين جانبًا إيجابيًا، ويكشف عن بعض الحكمة من تشريع الجهاد، إلا أنه لا يمكن أن تفسر به حركة الفتح الإِسلامي، فإن أكثر الشقاق والفتن كان يقوم بها الأعراب المرتدون في خلافة أبي بكر الصديق وقد منعهم أبو بكر بعد إخضاعهم لسلطان الدولة من المشاركة في الفتوح وجردهم من السلاح تأديبًا، لعدم الوثوق بإخلاصهم، ولأنهم لا يصلحون أن يمثلوا طلائع الفتح لعدم استكمالهم لمقومات الشخصية الإسلامية تصورًا وسلوكًا مما لا يعطي سكان المناطق المفتوحة صورة صحيحة عن الإسلام، فكان الاعتماد على سكان المدن (المدينة - مكة - الطائف) التي استقرت فيها معاني العقيدة وآثارها التربوية العميقة، وكان سائر القادة من الصحابة رضوان الله عليهم.
وهناك تفسير آخر لحركة الفتح يتسم بالطابع التبريري، وهو أن حركة الفتح ذات صبغة دفاعية وأنها استخدمت الهجوم للدفاع عن الدولة الإسلامية أمام خصومها الأقوياء، وهذا التفسير يسود معظم الكتابات التي حررتها أقلام المؤرخين العرب والمسلمين، فهم أمام المفاهيم السليمة التي سادت إيديولوجيات القرن العشرين، وكراهية الناس للحرب لآثارها السيئة في دمار الحضارات وإهلاك البشر وابتلائهم بالعاهات والتشرد، ولظهور المؤسسات الدولية المعنية بالتوفيق بين مصالح الدول المتعارضة والمساعدة في إقرار السلام الدولي وإحلال التفاوض والحوار لحل المشاكل الدولية بدلًا من الحروب.
فروح العصر جعلت كثيرًا من الكتاب عن حركة الفتح ينحون منحًى تبريريًا يهدف إلى التوفيق بين روح العصر الحديث وفكرة الجهاد في الإسلام، ويرجع ذلك إلى عوامل نفسية وفكرية متداخلة منها سيطرة مفاهيم الحضارة الغربية على الكثير من المتعلمين من المسلمين، بسبب الغزو الفكري، وما ولده ذلك من الإحساس بالضعف أمام الغرب ومحاولة تبرير كل ما يتعارض مع روح حضارته وتصوراتها الفكرية السلوكية، ومنها عدم فهم حقيقة الجهاد وأهدافه بحيث يتميز