وقد حاول بعض الدارسين لحركة الفتوح الإسلامية أن يضعوا تفسيرات متنوعة لنجاحها وامتدادها السريع، فذهب كابتاني وبعض المستشرقين الآخرين إلى تفسيرها بالدافع الاقتصادية، بدعوى أن جزيرة العرب تعرضت لتغيرات مناخية أدت إلى نضوب المياه والجفاف مما استدعى خروج الموجات البشرية منها إلى الهلال الخصيب حيث تتوافر دواعي الرخاء الاقتصادي. وأن حركة الفتح الإسلامي موجه من هذه الموجات. ولكن الدراسة الموضوعية تبين أن الجزيرة العربية لم يحدث فيها تغير مناخي قبيل الإسلام ولم يحدث انقلاب هام في الظروف الاقتصادية المتنوعة ولم تنتقل القبائل العربية بهذا الحجم الهائل إلى الهلال الخصيب إلا بعد ظهور الإسلام وتوحدها تحت رايته وانطلاقها لتحقيق مبادئه.
وكذلك يلاحظ من دراسة الرسائل المتبادلة بين الخلفاء وقادة الفتوح ومن متابعة أخبار الفتح الأخرى، مدى سيطرة العقيدة على الجند وتحقيقها للانضباط الدقيق في صفوهم، وأن المثل العليا والرغبة في هداية الناس كانت تمثل الروح المهيمنة على القيادة ومعظم الجيش، ولا يمنع ذلك من القول بأن الغنائم كانت تحفز بعض المقاتلين وتوسع عدد المشاركين، خاصة من الأعراب، لكن تفسير حركة الفتح ومعرفة الروح العامة المسيطرة على تفكير القيادة التي خططت للفتح ينبغي ألا تتأثر كثيراً بمواقف فردية لبعض الأعراب من المقاتلين، ولا شك أن القيادة كانت تحرص على هداية الناس ولو فوت ذلك عليها الغنائم الكثيرة.
وإن تخفيض الضرائب على سكان المناطق المفتوحة، وإبقاء الأملاك الشخصية والمحافظة على البنية الاقتصادية لها يدل على أن روح الهداية والإعمار كانت تتحكم في موقف الفاتحين.
وهناك تفسير آخر لحركة الفتح يتمثل بالعوامل السياسية، فإن اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين بمنع حركات الردة ومحاولات تمزيق كيان الأمة الإسلامية جعلهم يوجهون الطاقات في حركة فتح شاملة بدل أن تنصرف إلى