للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتلهما صبرا درس للطغاة بليغ، وقد تخلى عقبة عن جبروته ونادى: من للصبية يا رسول الله؟ فأجابه: النار (١). فهلا تذكر عقبة يوم ألقى سلاة شاة على رأس الني وهو ساجد فجاءت فاطمة فغسلته عنه (٢)!!

أما بقية الأسرى فقد استوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، حتى حكى أبو عزيز - وقد أسره أخوه مصعب بن عمير ومعه رجل أنصاري - أن آسريه كانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوه بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسرى. حتى ما تقع في يد أحدهم خبزة إلا ناوله إياها قال: "فاستحي فأردها علي ما يمسها" (٣) وهذا الموقف آية على حسن معاملة الأسير في الإسلام وإيثاره بأفضل ما عند آسريه. مما لا نجد له مثيلاً في تواريخ الدنيا.

لقد كانت موقعة بدر - رغم صغر حجمها - فاصلة في تاريخ الإسلام لذلك سماها الله تعالى في كتابه بـ "يوم الفرقان" لأنه فرق بها بين الحق والباطل، وفيها حققت العقيدة الإسلامية انتصارات كبيرة، فقد ظهر استعلاؤها على سائر المصالح والمطامح والعلائق الدنيوية، فهاهم الأنصار يعلنون قبل بدئها أن التزاماتهم تجاه العقيدة لا تحدها اللوائح والعهود التي قطعوها في بيعة العقبة الثانية، بل هم جند مطيعون ومضحون من أجل عقيدتهم دون شرط ولا قيد، وها هم المهاجرون يواجهون أقاربهم في المعركة فالابن يلقى أباه والأخ يلقى أخاه، فلا تمنعهم أواصر القربى من قتلهم لأن مصلحة العقيدة فوق كل آصرة وارتباط. وقد استحق المقاتلون ببدر أن ينالوا التقدير الكبير الذي صار يلازم كلمة "البدري" حتى كونوا الطبقة الأولى من الصحابة في سجل الجند لعمر (رض) فكانوا يأخذون أعلى العطاء واحتلوا الصفحات الأولى من كتب الطبقات، وهكذا نالهم التكريم الأدبي والمادي على مر الدهور


(١) الهيثمي: مجمع الزوائد ٦/ ٨٩ وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح. وقارن برواية أبي داود في السنن ٢/ ٥٥ بإسناد حسن.
(٢) البداية والنهاية ٣/ ٣٠٦ بسند حسن إلى الشعبي لكنه مرسل.
(٣) البداية والنهاية ٣/ ٣٠٦ - ٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>