للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمار المدينة وخيراتها. وكان ثمة احتمال أن تندم قريش فتعود لمهاجمة المدينة فكان لابد من التحرك السريع لاستعادة موقع المسلمين والاحتفاظ بمكانتهم، ومن هنا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش الذي شهد "أحدا" أن يخرج لمطاردة جيش قريش إلى حمراء الأسد (١) رغم إصابة الكثيرين منهم بالجراح، ولم يأذن لسواهم بالاشتراك في حملة المطاردة هذه (٢)، وقد سارع سبعون من الصحابة للاشتراك ثم بقية الجيش فصار عددهم ستمائة وثلاثين.

وقد أثنى القرآن الكريم على مبادرتهم بالخروج. قالت عائشة (رض) لعروة بن الزبير في قوله تعالى {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قالت: أبوك منهم الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال: من يذهب في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلاً" (٣).

ويذكر ابن إسحق دون إسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بحمراء الأسد ثلاثة أيام هي الاثنين والثلاثاء والأربعاء وأن معبد الخزاعي مر به ثم لقي أبا سفيان والمشركين بالروحاء وقد اعتزموا العودة لاستئصال المسلمين، فخذلهم وأخبرهم بخروج المسلمين إلى حمراء الأسد ونصحهم بالعودة إلى مكة (٤).

ولا شك أن حملة حمراء الأسد حققت الأهداف المرسومة بإظهار قدرة المسلمين على التصدي لخصومهم من الأعراب وقريش رغم ما أصابهم في أحد، فإنهم إذا كانوا قادرين على التحرك العسكري خارج المدينة فهم أقدر على مواجهة اليهود والمنافقين داخلها.


(١) تقع على بعد ٨ أميال من المدينة عل الطريق إلى مكة (سيرة ابن هشام ٢/ ١٠٢، ومعجم ما استعجم للبكري ٢/ ٤٦٨ ومعجم البلدان لياقوت ٢/ ٣٠١) وقال البلاذري: تقع جنوب المدينة بعشرين كيلا (معجم المعالم الجغرافية ١٠٥).
(٢) سوى جابر بن عبد الله لما أخبره أن أباه خلفه عن أخواته فلم يشهد أحدا.
(٣) من رواية البخاري (فتح الباري ٧/ ٣٧٣) والآية من سورة آل عمران، ١٧٢.
(٤) سيرة ابن هشام ٣/ ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>