للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن المسلمين الثلاثة اشتركوا في إشاعة الإفك ولكن الدور الكبير كان للمنافقين أتباع عبد الله بن أبي بن سلول، وإنما ذكرت أسماء الثلاثة لأنهم مسلمون، وما كان ينبغي أن يقعوا في حبائل المنافقين وقد عاتبهم القرآن الكريم بقوله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (١)

وكان كثير من المؤمنين على يقظة كاملة وثقة كبيرة بآل بيت النبوة، فلما سمع أبو أيوب الأنصاري بإشاعات المنافقين قال: (سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم) (٢).

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة حد القذف على مسطح وحسان وحمنة (٣)، أما عبد الله بن أبي بن سلول الذي تولى كبر الإفك وقاد حملة الدعاية فلم يقم عليه الحد ولعل ذلك لأن إقامة الحدود فيها كفارة عن الجناة، وهو ممن توعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة فليس أهلاً لإقامة الحد عليه، وقيل لأن هذا المنافق كان لا يترك دليلاً ضده فلا يتكلم بالإفك أمام المؤمنين (٤). وقد وردت أحاديث ضعيفة تفيد إقامة الحد عليه أيضاً (٥).

والحق أن حادثة الإفك كادت تشعل نار العصبية من جديد بين الأوس والخزرج هذه المرة حيث تجادل زعماؤهم بغضب في المسجد، وكان هذا هو مقصد المنافقين أن يهدموا وحدة المسلمين ويزعزعوا ثقتهم بقيادتهم، ويشعلوا نار الفتنة. بينهم، ولكن الله سلم، وتمكن الرسول عليه الصلاة والسلام من تهدئة الجميع والحفاظ على وحدتهم والخروج من الامتحان الصعب بنجاح.


(١) سورة النور: آية ١٢.
(٢) البخاري ٩/ ٩٢ وفتح الباري ١٣/ ٣٤٤. والآية من سورة النور ١٦ تشير إلى ذلك.
(٣) الهيثمي: مجمع الزوائد ٩/ ٢٣٠ من رواية البزار بإسناد حسن.
والبيهقي: اسنن ٨/ ٢٥٠ بإسناد حسن.
(٤) زاد المعاد ٢/ ١٢٧ - ١٢٨.
(٥) مجمع الزوائد ٩/ ٢٣٧ - ٢٤٠، وفتح الباري ٨/ ٤٧٩ - ٤٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>