للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقاً وعرة عبر ثنية المرار وهي مهبط الحديبية وقال: "من يصعد الثنية ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل" فكان أول من صعدها خيل الخزرج (١).

وقد غبر الرسول صلى الله عليه وسلم طريق جيشه تجنبا للقتال مع خالد بن الوليد وخيالة المشركين فلما أحس خالد بذلك رجع إلى مكة فخرجت قريش فعسكرت ببلدح (٢)، فنزلوا على الماء وسبقوا المسلمين إليه. حتى إذا اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحديبية بركت ناقته فقالوا: خلات القصواء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل. ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها" (٣) ثم عدل عن دخول مكة إلى أقصى الحديبية فنزل على بئر قليلة الماء فاشتكى المسلمون العطش، فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيها فمازال يجيش بالري حتى صدروا عنه (٤)، فكان تكثير الماء من معجزاته عليه الصلاة والسلام في هذه الغزوة.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على الاستبقاء على حياة قريش ويأمل إسلامهم وإفادة الدعوة منهم فالناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وقريش من أكثر العرب فصاحة وذكاء وخبرة ومكانة، واستبقاؤها للأسلام فيه خير عظيم للدولة والدعوة كما برهنت الأيام. وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم


(١) صحيح مسلم: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، ص ١٢.
(٢) بلدح واد بمكة أعلاه وادي العُشَر وأوسطه منطقة الزاهر اليوم ومصبه في مر الظهران شمال الحديبية (البلادي.:معجم المعالم الجغرافية، ص ٤٩). وخروج قريش إلى بلدح لم يثبت من طريق صحيحة بل ورد في دلائل النبوة للبيهقي ٢/ ق ٢١٩ - ٢٢٠، من مرسل عروة بإسناد ضعيف إليه، وذكر ذلك الواقدي (مغاري ٢/ ٥٨٢)، وابن سعد (الطبقات الكبرى ٢/ ٩٥).
(٣) صحيح البخاري (فتح الباري ٥/ ٣٢٩ حديث رقم ٢٧٣١).
(٤) نفس المصدر السابق. رفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم دعا بماء فمضمض ومج في البئر (صحيح البخاري: فتح الباري، حديث رقم ٣٥٧٧) ولا مانع من الجمع بينهما بأنه فعل الأمرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>