للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسوف تتوالى الأحداث مؤكدة الحكمة البالغة والنتائج الباهرة لهذا الصلح الذي سماه الله تعالى: {فَتْحًا مُبِينًا}.وكيف لا يكون كذلك وقد اعترفت قريش بكيانهم لأول مرة فعاملتهم معاملة الند للند بعد أن كانت تصورهم أمام الناس بأبشع الصور مما كان صداه العميق في داخل مكة وأرجاء الجزيرة العربية، وأول ما يظهر في مبادرة خزاعة للتحالف مع المسلمين علنا دون هيبة قريش. وكان لهذا الموقف جذور تاريخية بعيدة، فقد كان العداء التقليدي بين خزاعة وبني بكر من كنانة، وموقف قريش المتحيز لبني بكر قد دفعها إلى محالفة عبد المطلب بن هاشم جد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الحلف الذي أشار إليه عمرو بن سالم في قصيدته التي استنصر بها الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل الفتح بقوله: "حلف أبينا وأبيه الأتلدا" (١).

ويلاحظ أن تعاطف خزاعة مع المسلمين كان واضحاً منذ قيام دولتهم في المدينة حتى إعلانهم الصريح للتحالف في الحديبية "إذ كانت خزاعة عيبة نصح لرسول الله مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئاً كان بمكة" (٢). ولكن خزاعة كانت تخفي حقيقة تعاطفها مع المسلمين عن قريش قبل إعلان التحالف الصريح مع المسلمين، وبذلك حافظت على علاقاتها مع قريش طيلة المدة السابقة.

وكان السلام المبرم يتيح الفرصة للمسلمين للتفرغ ليهود خيبر آخر معاقل يهود التي استغلت للتحريض على المسلمين في الخندق وما بعدها.

كما أتاح الفرصة لهم لنشر الإسلام، يقول الزهري: "فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب، وآمن الناس بعضهم بعضاً، والتقوا فتفاوضوا في الحديث


(١) سيرة ابن هشام ٢/ ٣٩٤ من رواية ابن إسحق ومغازي الواقدي ٢/ ٧٨٩ وتاريخ الطبري ٤/ ٤٥ وابن زنجويه: الأموال ١/ ٤٠١.
(٢) سيرة ابن هشام ٧٤٣ ط. القاهرة والطبري ١٤٢٨ ط. أوروبا.

<<  <  ج: ص:  >  >>