للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد وصل الجيش إلى معان عندما وصلته أخبار نزول هرقل بأرض مآب - وهي البلقاء- في مائة ألف من الروم ومائة ألف أخرى من نصارى العرب لخم وجذام وقضاعة (بهراء وبلي وبلقين) فأمضى المسلمون ليلتين في معان يتشاورون في أمرهم وبعضهم يرى مكاتبة الرسول صلى الله عليه وسلم وإخباره بقوة العدو ليمدهم أو يأمرهم بأمره. فشجع عبد الله بن رواحة الجيش، وقال: "يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ولا نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة" (١).

وأحدثت كلماته أثرها فدب الحماس في الجيش، وفقدت آراء المتريثين قوتها، فاندفع زيد بن حارثة بالناس إلى منطقة مؤتة جنوب الكرك بيسير حيث آثر الاصطدام بالروم هناك، فكانت ملحمة سجل فيها القادة الثلاثة بطولات عظيمة انتهت باستشهادهم، فشاط زيد بن حارثة في رماح الروم فاستشهد، وأخذ الراية جعفر بن أبي طالب فعقر فرسه الشقراء وقاتل بالراية فقطعت يمينه فأمسكها بشمال فقطعت فاحتضن الراية حتى استشهد، فأخذ الراية عبد الله ابن رواحة فتردد يسيرا ثم اندفع فقاتل حتى استشهد، فأخذ الراية ثابت بن أرقم ونادى في المسلمين أن يختاروا لهم قائدا فاختاروا خالد بن الوليد، وقد أدرك خالد خطورة الموقف فأعاد تنظيم جيشه وبدل المسيرة بالميمنة وجعل قسما من الجيش يتقدمون من الخلف وكأنهم أمداد جديدة لإيهام الروم، وتمكن خلال ذلك من القيام بانسحاب منظم لم يفقده إلا اليسير من جنده حيث سمت المصادر ثلاثة عشر شهيدا فقط (٢).


(١) ابن إسحق دون إسناد (سيرة ابن هشام ٣/ ٤٣٠).
(٢) سيرة ابن هشام ٣/ ٤٣٠ - ٤٤٧ وابن حزم: جوامع السيرة ص ٢٢٠ - ٢٢٢ ولم يسند ابن إسحق قصة الوقعة سوى عقر جعفر بن أبي طالب لفرسه وخبر تردد ابن رواحة ثم إقدامه حيث ساقهما بإسناد حسن وفيه جهالة اسم الصحابي ولا تضر.

<<  <  ج: ص:  >  >>