للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعتبر هذا الانسحاب المنظم الناجح فتحا عظيما حيث تمكن خالد من إنقاذ جيشه بخسائر طفيفة مع الإثخان في الروم وإصابتهم بقتلى وجرحى، ولا شك أن استبسال المسلمين في القتال وشجاعتهم النادرة وحرصهم على الشهادة بالإضافة إلى عبقرية خالد العسكرية هو الذي مكنهم بعون الله من الخلاص من المأزق.

لقد وجد في جسد جعفر بن أبي طالب أكثر من تسعين إصابة بالرماح والسهام (١)، وما أقعده ذلك عن القتال حتى الرمق الأخير!!

وقد انكسرت تسعة أسياف في يد خالد بن الوليد (٢).

ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام أنه أخبر أصحابه باستشهاد القادة الثلاثة وعيناه تذرفان بالدموع قبل أن يأتيه الرسول بالخبر، وأخبرهم باستلام خالد للراية وبشرهم بالفتح على يديه (٣). والمراد بالفتح في هذا الحديث الصحيح إما الانسحاب المنظم الناجح، وإما ما أوقعه المسلمون بالروم من خسائر رغم تفوقهم العددي الكبير.

ورغم نجاح الانسحاب، فقد صاح الناس في وجوههم- وهم يحثون في وجوههم التراب- "يافرار فررتم في سبيل الله!! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله" (٤). ولا شك أن موقف الرأي العام يعبر عن مدى عمق الوعي الإسلامي في تلك المرحلة.

وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام مكانة شهداء مؤتة عند الله تعالى بقوله: "ما يسرني أو قال ما يسرهم أنهم عندنا" (٥)، أي: لما نالهم من عظيم


(١) صحيح البخاري (فتح الباري ٧/ ٥١٠).
(٢) صحيح البخاري (فتح الباري ٧/ ٥١٥).
(٣) نفس المصدر السابق ٧/ ٥١٢.
(٤) ابن إسحق بسند حسن إلى عروة لكنه مرسل ضعيف (سيرة ابن هشام ٣/ ٤٣٨).
(٥) صحيح البخاري ٦/ ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>