للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما كان العصر أعلن وقف أي قتال بمكة وأوضح حرمتها فلما قتلت خزاعة رجلا تطلبه بثأر وداه الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أن من قتل بعد ذلك قتيلا فأهل القتيل بالخيار بين القصاص والدية (١).

وأما عامة أهل مكة فقد نالهم عفو عام رغم أنواع الأذى التي ألحقوها بالرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته، ورغم قدرة الجيش الإسلامي على إبادتهم، وقد جاء إعلان العفو عنهم وهم مجتمعون قرب الكعبة ينتظرون حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم فقال: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم. فقال:"لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم" (٢). وقد نزلت الآية الكريمة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (٣).

فاختار الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعفو عنهم ويصبر على ما كان منهم ويدع عقوبتهم تفضلاً منه واحتسابًا فقال: "نصبر ولا نعاقب" (٤).

وقد ترتب على هذا العفو العام حفظ الأنفس من القتل أو السبي وإبقاء الأموال المنقولة والأراضي بيد أصحابها وعدم فرض الخراج عليها، فلم تعامل مكة كما عوملت المناطق الأخرى المفتوحة عنوة لقدسيتها وحرمتها، فإنها دار النسك ومتعبد الخلق وحرم الرب تعالى، لذلك ذهب جمهور الأئمة من السلف


(١) رواه أحمد في المسند (الفتح الرباني ٢١/ ١٥٩) بإسناد حسن لذاته. وانظر رواية مكلمة في المسند ٤/ ٣٢ بإسناد حسن حيث صرح ابن إسحق بالتحديث. وانظر رواية أخرى في المسند ٤/ ٣١ وفيها مسلم بن يزيد السعدي مقبول وقد توبع فقويت روايته إلى الحسن لغيره.
(٢) لأبو عبيدة: الأموال ١٤٣ بإسناد حسن لكنه مرسل وانظر سيرة ابن هشام ٢/ ٤١٢ من رواية ابن إسحق بإسناد فيه جهالة.
(٣) سورة النحل ١٢٦
(٤) أحمد: المسند ٥/ ١٣٥ والترمذي: سنن ٤/ ٣٦١، ٣٦٢ والطريقان يعتضدان إلى الحسن، ففي إسناد أحمد هدية المروزي صدوق ربما وهم، وفي إسناد الترمذي الربيع بن أنس صدوق له أوهام، وعيسى بن عبيد الكندي صدوق، وقد قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>