للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عداوته، فدخلوا في دين الله كام قال الله عز وجل أفواجاً يضربون إليه من وكل وجه" (١).

وقد خطب الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة عدة خطب بيَّن في الخطبة الأولى- وكانت على باب الكعبة- دية الخطأ شبه العمد، وألغي مآثر الجاهلية وثأراتها واستثنى سقاية الحاج وسدنة البيت فاستبقاهما (٢).

وأعلن في الخطبة الثانية إبطال أحلاف الجاهلية إلا ما كان من المعاقدة على الخير ونصرة الحق وصلة الأرحام (٣).

ثم أعلن في الخطبة الثالثة تحريم مكة وتحريم صيدها وخلاها وشجرها ولقطتها وتحريم القتال فيها وبين أن الله تعالى أحلها له ساعة وقت الفتح (٤)، وأوضح أن لا هجرة بعد فتح مكة ولكن جهاد ونية (٥)، فلم تعد الهجرة من مكة إلى المدينة واجبا، وإن بقي حكمها من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام إلى يوم القيامة (٦). فقد شرعت الهجرة إلى المدينة ليعبد المسلمون ربهم بأمان، وليقوى كيان الإسلام بالمدينة أمام خصومه، وليتمكنوا من حماية الدولة ثم توسيع رقعتها عن طريق الجهاد، والهجرة بعد فتح مكة لم تعد ضرورة فقد قوي كيان الإسلام وصار وجود المسلمين في ديارهم أجدى لإقامة شعائر الإسلام ونشر هداه في سائر الأرجاء، وأما الجهاد فباق إلى يوم القيامة. ولذلك بايع النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بعد الفتح على الإسلام والإيمان والجهاد ولم يبايعهم على الهجرة (٧). وقد


(١) سيرة ابن هشام ٢/ ٥٦٠.
(٢) مسند أحمد ٣/ ٤١٠ بإسناد حسن لذاته. وأبو داؤد: سنن ٢/ ٤٩٢ بإسناد صحيح.
(٣) صحيح مسلم ٢/ ٤٠٩ ومسند أحمد ٢/ ٢١٥ وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله بن عياش صدوق له أوهام.
(٤) صحيح البخاري ٣/ ١٧ وصحيح ٢/ ٥٦٨.
(٥) صحيح البخاري ٣/ ١٨، ٤/ ٢٨.
(٦) فتح الباري ٤/ ٤٩، ٧/ ٢٧٠.
(٧) صحيح البخاري ٥/ ٧٢، ١٩٣ وصحيح مسلم ٢/ ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>