للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يركب بغلته دلدل (١) رغم امتلاكه للخيل وبذلك يرسخ في أذهان المسلمين فكرة الصمود، فالبغلة لا تصلح للكر والفر ولا للإدبار خلافاً للخيل، وكان الرسول ينظر إلى إدبار المسلمين ويدعوهم للثبات وهو يدفع بغلته للأمام ويقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" والعباس عمه وأبو سفيان بن الحارث يمسكان بعنان بغلته لئلا تسرع به خلال العدو (٢)، وقد تراجع قليل من المسلمين يسيراً (٣)، في حين ابتعد معظمهم عن الميدان مدبرين ولم يصمد معه سوى عشرة أو اثني عشر من الصحابة كانوا يحيطون به فيهم العباس وأبو سفيان بن الحارث وأبو بكر وعمر وعلي (٤)، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس - وكان جهوري الصوت - فنادى الناس للعودة ثم خص الأنصار وأصحاب الشجرة بالنداء ثم خص بني الحارث بن الخزرج بالنداء فتلاحقوا نحوه حتى صاروا ثمانين أو مائة، فقاتلوا هوازن (٥)، وبدأوا جولة جديدة مليئة بالشجاعة والصدق والعزيمة والإيمان وحسن التوكل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله


(١) وانظر تعليق القسطلاني على ذلك (المواهب اللدنية ١/ ١٦٣). وقد انفرد الواقدي بذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس درعين والمغفر والبيضة (المغازي ٣/ ٨٩٥ - ٨٩٧) والمغفر زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع به المتسلح، والبيضة تلبس في الرأس (الفيروز آبادي: القاموس المحيط ٢/ ١٠٣، ٣/ ٢٠).
(٢) مسلم: الصحيح ٣/ ١٣٩٨ - ١٤٠٠. والحاكم: المستدرك ٣/ ٢٥٥ وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي. وأبو يعلي: المسند ٣/ ٣٣٨ ب رقم ٣٠٣ ورجاله رجال الصحيح غير عمران بن دوار ففيه كلام. وابن إسحق (سيرة ابن هشام ١/ ٤٤٢) بإسناد صحيح.
(٣) الزرقاني: شرح المواهب اللدنية ٣/ ١٩ - ٢٠، وهم الثمانون أو المائة الذين تراجعوا على أقدامهم ولم يولوا الدبر.
(٤) ابن إسحق (سيرة ابن هشام ٢/ ٤٤٢ بإسناد صحيح إلى جابر بن عبد الله أحد شهود المعركة).
(٥) مسلم: الصحيح ٣/ ١٣٩٨، ١٤٠٠ وسيرة ابن هشام ٢/ ٤٤٤ - ٤٤٥ وعبد الرزاق: المصنف ٥/ ٣٨٠ - ٣٨١ وابن سعد. الطبقات ٤/ ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>