للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الصحابة، رضوان الله عليهم، يراعون التأدب بحضرته ويخاطبونه بصوت خفيض، ويكنون له في أنفسهم المحبة العظيمة. وأما جفاة الأعراب فقد عنفهم القرآن الكريم على سوء أدبهم وجفائهم وارتفاع أصواتهم وجرأتهم في طبيعة مخاطبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم (١).

وبعد قسمة الغنائم، قدم وفد من هوازن يعلن إسلامها، ويطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم رد الأموال والسبي عليهم، فخيَّرهم بين السبي والمال، فاختاروا السبي (٢)، فخطب الرسول في المؤمنين فقال: "إن إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين، وإني أردت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكون على حظه نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل. فقال الناس: طيبنا يا رسول الله لهم. فقال لهم: إنا لا ندري من أذن منكم فيه ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم طيبوا وأذنوا" (٣).

ويلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعود السبي إلى هوازن عن طيب نفس المقاتلين، لأن الغنيمة من حقهم، فلا بد أن يتنازلوا عنها برضاهم ووعد من لا يرضى بتعويضه عن السبي، وتأكد من ذلك عن طريق العرفاء المسئولين عن الجند. وقد تنازل معظم الجند عن السبي سوى الأقرع بن حابس وتكلم باسم قبيلة تميم كلها وعيينة بن حصن وتكلم باسم قبيلة فزارة، فوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم


(١) أنظر سورة التوبة: آية ٩٧، ٩٨.
(٢) صحيح البخاري ٣/ ١٥٦.
(٣) صحيح البخاري ٣/ ٨٧. وأما حديث عطية السعدي الذي يفيد مناشدته لرسول الله إطلاق السبي لأنهن "أمهاتك وأخواتك وخالاتك" لرضاعه في بني سعد، فإسناده ضعيف لجهالة الزبير الصنعناني وعروة بن محمد بن عطية السعدي وأبيه محمد.
(صحيح الألباني: السلسلة الضعيفة ٢/ ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>