للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا غرابة في موقف الأعراب وهم إنما خرج معظمهم طلباً للغنائم، وقد ازدحموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم غنائم حنين حتى علق رداؤه بغصن شجرة، فقال: "أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاة - شجر الشوك وكان يملأ المكان - نعماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً" (١). ثم أخذ وبرة من سنام بعير وقال: "والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم" ثم ذكر لهم تحريم أخذ شيء من الغنائم قبل قسمتها فجاء رجل أنصاري بخيوط شعر مكببة كان قد أخذها من الغنائم فألقاها (٢). ولما مات كركرة مولى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "هو في النار" ففتشوا في متاعه فوجدوا عباءة قد غلَّها (٣).

وهكذا كانت تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة لحماية الأموال العامة، وموقف الأنصاري يدل على الورع والالتزام بأوامر الرسول حتى في المال اليسير الذي لا قيمة له مثل خيوط الشعر التي أعادها.

وقد ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الصبر على جفاء الأعراب وطمعهم في الأموال وحرصهم على المكاسب، فكان مثالاً للمربي الذي يدرك أحوالهم وما جبلتهم عليه بيئتهم وطبيعة حياتهم من القساوة والفظاظة والروح الفردية، فكان يبين لهم خلقه ويطمئنهم على مصالحهم ويعاملهم على قدر عقولهم، فكان بهم رحيماً، ولهم مربياً ومصلحاً، فلم يسلك معهم مسلك ملوك عصره مع رعاياهم الذين كانوا ينحنون أمامهم أو يسجدون وكانوا دونهم محجوبين، وإذا خاطبوهم التزموا بعبارات التعظيم والإجلال كما يفعل العبد مع ربه. أما الرسول عليه الصلاة والسلام فكان كأحدهم يخاطبونه ويعاتبونه، ولا يحتجب عنهم قط،


(١) صحيح البخاري ٤/ ١٩، ٧٥.
(٢) ابن إسحق بإسناد حسن لذاته (سيرة ابن هشام ٢/ ٤٨٨ - ٤٩٠، ٤٩٢) وفقه السيرة للغزالي ص ٤٢٦ تعليق للشيخ الألباني.
(٣) صحيح البخاري ٤/ ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>