للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأنصار وجدوا في أنفسهم لعدم أخذهم شيئاً من الأعطيات، وأن بعض أحداثهم قالوا: "إذا كانت الشدة فنحن ندعي، وتعطى الغنائم غيرنا". وقالوا: "يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم". فجمعهم في قبة من أدم وقال: "إن قريشاً حديث عهد بجاهلية ومصيبة"، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم، لو سلك الناس وادياً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار" فلما وضحت لهم الحكمة من التوزيع، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وكلهم إلى إيمانهم، فهم مثال للتضحية والتجرد في سبيل العقيدة، يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع، ولم تكن الدنيا همهم ولا المال مقصدهم، فلما عرفوا سبب منع الأعطيات عنهم أعلنوا رضاهم بذلك (١) ما دام فيه إعزاز الإسلام ومصلحة العقيدة التي يفتدونها بكل عزيز وغال من نفس ومال. وكيف لا يرضون وقد أدركوا أن الرسول القائد قدمهم على سواهم، واعتمد على إخلاصهم للعقيدة ووكلهم إلى إيمانهم فكانوا عند حسن ظنه بهم، فقد بكوا بعد سماع كلامه وقالوا: "رضينا برسول الله قسماً وحظاً" (٢).

وقد أظهر بعض الأعراب المشتركين في غزوة حنين جفاءً وغلظة عند قسمة الغنائم بالجعرانة، فقال أحدهم (٣) مخاطباً الرسول عليه الصلاة والسلام: "اعدل، فقال: شقيت إن لم أعدل" (٤). وقد غضب عمر بن الخطاب من كلام الأعرابي فطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بقتله، فأبى عليه وقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي" (٥).


(١) صحيح البخاري ٤/ ٧٤،١٤٥، ٥/ ٢٦، ٢٨، ١٣٠، ١٣١، ٧/ ١٣٣، ٨/ ١٣٠، ٩/ ١٠٦ وصحيح مسلم ٢/ ٧٣٣ - ٧٣٦.
(٢) سيرة ابن هشام ٣/ ٧٦ - ٧٧ من طريق ابن إسحق بإسناد حسن لذاته.
(٣) سماه ابن إسحق بإسناد حسن "ذو الخويصرة التميمي" (سيرة ابن هشام ٢/ ٤٩٦).
(٤) صحيح البخاري ٤/ ٧٢ وفتح الباري ٨/ ٦٨، ١٢/ ٢٩١، ٢٩٣.
(٥) مسلم: الصحيح ٢/ ٧٤٠ وقارن براوية ابن إسحق (سيرة ابن هشام ٢/ ٤٩٦) ويبدو من كلام الحافظ ابن حجر أن الرجل اعترض على القسمة مرتين مرة في قسمة غنائم حنين ومرة ثانية في قسم ذهب أرسله على من اليمن في أثر حنين (فتح الباري ٨/ ٦٩، ١٢/ ٢٩١،٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>