للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يجد فقراء المسلمين إلا أن يتقدموا باليسير الذي يقدرون عليه فجاءوا على استحياء متعرضين لسخرية المنافقين. فقد جاء خيثمة الأنصاري بصاع تمر فلمزه المنافقون (١) وجاء أبو عقيل بنصف صاع من تمر، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا!! وما فعل هذا الآخر إلا رياء، فنزلت {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (٢)} (٣) فهم يتهمون الأغنياء بالرياء ويسخرون من فقر الفقراء!!.

موقف المنافقين في غزوة تبوك:

وقد استعلن أمر النفاق في هذه الغزوة وقام المنافقون بحرب دعائية عند إعلان النفير فمضوا يثبطون الناس ويقولن: (لا تنفروا في الحر) فقد كان الحر شديدا، وكان الناس يفيئون إلى ظلال الأشجار، فكان المنافقون يستغلون ذلك لإشاعة روح التخاذل وقد ذهب بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه بالتخلف مبدياً الأعذار الكاذبة حتى عاتب الله نبيه على إذنه لهم {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (٤) وقد وصف القرآن منافقي الأعراب بأنهم أشد كفراً ونفاقاً من منافقي أهل المدينة لأنهم أقسى قلوباً وأقل علماً بالسنن والأحكام {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (٥). وهكذا فإن النفاق لم يكن منحصراً في المدينة بل امتد إلى البوادي {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} (٦). وقد نهى القرآن عن قبول أعذار المنافقين


(١) صحيح البخاري: كتاب التفسير ٦/ ٥٦؛ وفتح الباري ٨/ ٣٣٠.
(٢) تفسير الطبري: ١٠/ ١٩٧، بإسناد صحيح.
(٣) سورة التوبة: الآية (٧٩).
(٤) سورة التوبة: الآية (٤٣). وتفسير الطبري ١٠/ ١٤٢، بإسناد صحيح إلى مجاهد مرسلاً.
(٥) سورة التوبة: الآية (٩٧). وتفسير الطبري ١١/ ٣.
(٦) سورة التوبة: الآية (١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>