واضطرارهم لأتباعه للهجرة إلى الحبشة، ثم تركه صلى الله عليه وسلم موطنه وهجرته إلى المدينة، ثم استمرارهم في حربه والتأليب عليه حتى نصره الله عليهم وأظهر دينه في الأرض.
وهذه السيرة النبوية تشير إلى حال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وأنهم تعرضوا للابتلاء والامتحان بسبب تبليغهم لرسالات الله تعالى، ولم ينتفعوا في الحياة الدنيا بالنعيم والراحة، بل كانت حياتهم شديدة يلحقهم الأذى في أنفسهم وأهليهم، ويهجرون مواطنهم، ويتعرضون للقتل، فما يصدهم ذلك عن تبليغ دعوة الله وتغيير الواقع الجاهلي. ومن أجل ذلك النهج العملي في الدعوة والتربية للأتباع كان أثر رسالات الأنبياء في حياة البشرية أثرا عميقا شاملا، في حين بقيت آراء الفلاسفة قابعة في كتبهم ولم تتحول إلى واقع عملي .. ولكل عاقل أن يقارن بين أثر القرآن والسنة وبين جمهورية أفلاطون أو مدينة الله لأوغسطين أو المدينة الفاضلة للفارابي، ليدرك أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم هي النهج العملي المؤثر في حركة التاريخ ومصير الأحياء.
إن إيمان المسلمين بالأنبياء جميعا أعطاهم نماذج روحية متنوعة وعظيمة القيمة، تتمثل فيها القيم الخلقية بأرفع سلوكيات التي يمثلها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهكذا فإن المسلم يجد في نوح عليه السلام مثالا للداعية الصامد، فرغم تنكر قومه لدعوته بما فيهم ابنه وزوجه، فإن ذلك لم يقعده عن الاستمرار في دعوته، وتهيئة العوامل اللازمة لنجاحها ثم لنجاة أصحابه.
كما يجد المسلم في أيوب - عليه السلام - مثالا للصبر على الأمراض والأسقام وجفوة الناس والخلطاء حتى الزوجة، فلم يزده ذلك إلا احتسابا وإيمانا، ودعاء وتضرعا حتى رفع الله عنه البلاء. وإذا كان الإيمان الشامل بالأنبياء يوسع من مجال الاقتداء، ويعبر عن وحدة الرسالات الإلهية، فإنه يورث المسلمين التسامح الديني ويوجد بينهم وبين أهل