للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إن الإسلام مضى إلى ما هو أبعد من هذه التوجيهات، احتياطا للناس وإبعادا للأمة من الوقوع في براثن المضللين فجعل الولاء للعقيدة وليس للرجال مهما علت مكانتهم، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي أصحابه عن المبالغة في تعظيمه يقول: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) (١).

وينهى عن مديح الرجل في وجهه، لئلا يناله العجب بالنفس فيجره ذلك إلى الهلاك، فلما أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك (٢) - مرارا".

فأين هذه التعاليم مما تتعود عليه الأمم التي لا دين لها من الانحناء والسجود للزعماء، والتقرب إليهم بمعسول الكلام وعظيم الثناء، وتشبيهم بالله تعالى وإسباغ صفاته عز وجل عليهم، بل والوقوف طوابير في انتظار زيارة قبورهم بعد موتهم في الأعياد والمناسبات الوطنية وصرف المبالغ الطائلة على بناء مقابرهم وزخرفة أضرحتهم، وقديما صرف الفراعنة الملايين وسخروا الألوف من شعبهم لبناء أهراماتهم، وحديثا نجد هذه المظاهر في دول تدعي نبذ الدين وتخليص الناس من الخرافة وتحريرهم من عبودية الله!! فإذا بها تتعبدهم للزعماء من البشر في حياتهم وبعد مماتهم!!

روى الترمذي عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا. قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال نعم

(٣).


(١) أخرجه البخاري (الصحيح ٤/ ١٣٢) كتاب الأنبياء - باب ٤٨ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ}، والدارمي: سنن ٢/ ٣٢٠، وأحمد: المسند ١/ ٢٣.
(٢) أخرجه البخاري (الصحيح ٣/ ١٥٨) كتاب الشهادات باب ١٦ إذا زكى رجل رجلا كفاه. وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/ ٢٢٩٦).
(٣) أخرجه الترمذي: سنن ٥/ ٧٥ حديث رقم ٢٧٢٨وقال: هذا حديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>