للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن الداخل على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يميزه عن أصحابه من هيئته أو مكان جلوسه، بل كان الغريب يسأل عنه ليعرفه .. أخرج الدارمي قال العباس: يا رسول الله إني رأيتهم قد آذوك وآذاك غبارهم فلو اتخذت عريشا تكلمهم منه؟ فقال: لا أزال بين أظهرهم يطأون عقبي، وينازعون ردائي، حتى يكون الله يريحني منهم" (١).

وأخرج الطبراني عن عبد الله بن جبير الخزاعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمشي في أناس من أصحابه فتستر بثوب، فلما رأى ظله رفع رأسه، فإذا بملاءة قد ستر بها فقال له: مه!! وأخذ الثوب فقال: "إنما أنا مثلكم" (٢).

وسئلت عائشة - رضي الله عنها - هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: نعم. كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته. (٣).

فهذه صورة النبي في الإسلام، وهو أرفع البشر، له الحب والتوقير والدعاء، وله الدرجة الرفيعة، لكنه لا يتجاوز مقام العبودية والطاعة لله، ولا يخلع على نفسه صفات الألوهية، ولا يدعو الناس إلى عبادته، بل يدعوهم إلى عبادة الله وحده، ويجعل نفسه مثلهم الأعلى في عبادة الله وطاعته، وشعاره ({كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} (٤).

وقد حرص الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام على التمييز بين الألوهية والنبوة، خاصة أن الأمم السابقة قد ألهت أنبياءها، فقالت اليهود عزير ابن الله


(١) الدارمي: سنن ١/ ٣٥ - ٣٦ من طريقين، وأخرجه البزار من طريق ابن عباس أيضا (الهيثمي: مجمع الزوائد ٩/ ٢١ وقال: رجاله رجال الصحيح).
(٢) الهيثمي: مجمع الزوائد ٩/ ٢١ وقال: رجاله رجال الصحيح.
(٣) مسند أحمد ٦/ ١٧٦ وأنظر: ١٢١، ٢٦٠ منه.
(٤) آل عمران آية: ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>