للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت النصارى المسيح ابن الله، ولا شك أن تأليه الأنبياء لم يكن في حياتهم، بل بعد زمنهم بقليل أو كثير حيث تدخل المبالغات والأساطير إلى تاريخهم وسيرتهم، ويبالغ أتباعهم في أخبارهم، حتى يوصلوهم إلى مرحلة الألوهية، ويعبدوهم من دون الله، أو يشركوهم في عبادة الله. ومن هنا حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تأليهه وأكد على صفاته البشرية. فقد "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فكلمه، فجعل ترعد فرائصه فقال: (هوِّن عليك. فإني لست بملك. إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد) (١) وهذا تواضع منه عليه الصلاة والسلام، وهو الذي اختاره الله من خيار خلقه، وعصمه في نسبه وطهارة محتده؛ فكل آبائه وأمهاته من زواج صحيح.

ورغم علو مكانته وسمو خلقه وإشادة القرآن برفعته وعظمته فإنه لم يتخط خصائص البشرية، فهو يتألم كما يتألم البشر، بل إن آلامه تفوق آلامهم. روى البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إن أوعك كما يوعك رجلان منكم) (٢)، ولما اشتد المرض عليه حين وفاته لاحظت فاطمة - بنته - ما كان يتغشاه فكانت تقول: واكرب أباه. فيقول لها مهدئا: ليس على أبيك كرب بعد اليوم) (٣). وكان يقول: (إنا معشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء) (٤).

ولم يدع مناسبة إلا وبين خصائصه البشرية التي لا تنفك عنه إلا في عصمة النبوة، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إنما محمد بشر، يغضب كما يغضب البشر، وإني قد أخذت عندك عهدا لن تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيته، أو سببته أو جلدته، فاجعلها له كفارة وقربة، تقربه بها إليك يوم القيامة) (٥).


(١) ابن ماجة: السنن ٢/ ١١٠١ حديث رقم ٣٣١٢ وصحيح سنن ابن ماجة ٢/ ٢٣٢ حديث رقم ٢٦٧٧.
(٢) صحيح البخاري حديث رقم ٥٦٤٨.
(٣) صحيح البخاري حديث رقم ٤٤٦٢.
(٤) مسند أحمد ٣/ ٩٤.
(٥) صحيح مسلم حديث رقم ٢٦٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>