للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعجزة الرسالة الإسلامية الخالدة هي القرآن الكريم، فهي معجزة دائمة باقية، ظاهرة الإعجاز في كل زمان ومكان، وكانت رسالات الأنبياء من قبله موقوتة محدودة بالزمان والمكان، فكانت معجزاتهم حسية تهدف إلى قهر وتعجيز من يحضرها في حينها، ويشهدها عند حدوثها، كما هو ظاهر من معجزات موسى عليه السلام، حين ضرب البحر بعصاه فانفتح أمامه طريق العبور وسط الماء، وكما هي معجزات عيسى عليه السلام حين يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله ... فمن لم يشهد هذه المعجزات فإنه لا يذعن للحق ولا يتبع النبي .. أما معجزة الرسول الكريم فكانت معجزة خالدة لخلود الرسالة، باقية - بحفظ الله - بقاء الحياة، تذعن لها العقول المستنيرة والقلوب الواعية في كل زمان ومكان، ويتذوق بيانها وبلاغتها الفصحاء والبلغاء فهي معجزة بيانية بلاغية تحدث العرب وقت النزول وبعده، وهم أمة البيان، فعجزوا عن إجابة التحدي عبر العصور (١). وقد أشار المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى اختلاف معجزته عن معجزات الأنبياء من قبله فقال: (ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما الذي أوتيت وحيا أوحي الله، إلي, فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة) (٢).

وقد كثر أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم على مر القرون حتى بلغوا في الوقت الحاضر ربع سكان المعمورة، ولو أنهم التزموا بتعاليم النبي الكريم في عقائدهم وسلوكهم ونظمهم، وأدركوا مسئوليتهم في الدعوة إلى دين الله لفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض، ولحققوا السعادة لأنفسهم في الدنيا ونالوا مغفرة الله ورضوانه في الآخرة.

لقد قطع الإسلام بختم النبوات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم الطريق أمام أدعياء النبوة، وضيق مسالك نشر دعواتهم الباطلة بأن هيأ الأذهان لعدم قبولها، وكذلك قطع


(١) انظر إعجاز القرآن لأبي بكر الباقلاني.
(٢) متفق عليه واللفظ لمسلم (صحيح البخاري ٦/ ٩٧، وصحيح مسلم ١/ ١٣٤ حديث رقم ١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>