ويدل حديث عائشة - رضي الله عنها - على أن الرؤيا الصادقة للنبي صلى الله عليه وسلم كانت وحياً, وكانت أول الوحي إيناسا للرسول صلى الله عليه وسلم فهي أخف وقعا على نفسه البشرية كما أنها تهيئة لتلقي شدائد الوحي في اليقظة.
والوحي المحمدي نظير الوحي إلى الأنبياء قبله لا تباين فيه. قال تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حبب الله إليه العزلة في غار حراء يتعبد متبعا الحنيفية، وهي دين إبراهيم عليه السلام، فيبقى في الغار مدة شهر، ثم يرجع إلى أهله ليتزود بالطعام أخذا بالأسباب، وقد تكررت خلوته في غار حراء حتى جاءه الوحي وهو في الغار معتكفا في شهر رمضان، وقد طلب منه الملك أن يقرأ. فأجاب: ما أنا بقارئ، إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميا لا يقرأ. والأمية من دلائل معجزته، وأبعد الله تعالى بها عنه شبهة الأخذ عن الكتب السابقة، فأمسك به الملك وضمه ضما شديدا مكررا طلبه منه أن يقرأ. ثم أوضح له أن يقرأ عن ظهر الغيب لشيء لم يسبق له حفظه، بل يتعلمه في الآن بأمر الله، وهي الآيات الخمس من صدر سورة العلق - وهي أول ما نزل من القرآن على الإطلاق، ونزل باقي سورة العلق بعد ذلك بسنين، وأما أول سورة نزلت بتمامها فهي الفاتحة على المشهور - فرجع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات الخمس يرتجف قلبه فطلب من زوجته أن تدثره، ففعلت حتى ذهب عنه الفزع، وأخبرها الخبر، ولم يكن ذلك عن شك بما أوحي إليه، بل للمفاجأة التي لم يكن يتوقعها، ولما أبدى لخديجة رضي الله عنها خشيته أقسمت له أن الله لا يعرضه للذل والهوان والفضيحة، وذكرته بحسن أخلاقه، فهو يصل الرحم ببر أقربائه والإحسان إليهم، ويعين المحتاج، وينال معالي الأمور والسبق إلى المكرمات، ويقري الضيف، ويعين صاحب الحق على بلوغه فمن كان هذا شأنه لا يخزيه الله بل يرفعه مكانا عليا. ثم إن خديجة انطلقت به إلى ورقة بن نوفل، وكان نصرانيا عالما بالعربية والعبرية، وله اطلاع على التوراة والإنجيل حيث كان متمكنا من نقل التوراة من العبرية إلى العربية، وكان شيخا