للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد صقلته التجارب والنظر في الكتب، فلما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى أدرك حقيقة الأمر فصرح بأنه وحي مثل الوحي الذي تلقاه موسى عليه السلام، وتمنى ورقة لو عاد شابا ليتمكن من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه حين يخرجوه من مكة، ثم أدرك استحالة ذلك لشيخوخته فتمنى لو يدرك ذلك اليوم فقط، واستغرب النبي صلى الله عليه وسلم من كلام ورقة فقومه يحبونه وينادونه بالصادق الأمين فكيف يخرجونه من بلده!، فسأل ورقة: أو مخرجي هم؟ فبين ورقة: أن هذه هي سنة الحياة، فما من نبي دعا قومه إلى نبذ الجاهلية وتوحيد الله بالعبادة والطاعة إلا عادوه، وآذوه ... وتوفى ورقة ... وانقطع الوحي فترة - قال الشعبي إنها سنتان ونصف السنة - وحزن النبي صلى الله عليه وسلم على انقطاعه حتى عاوده الوحي آمرا له بالدعوة والإنذار {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}. وكان ذلك في بيت خديجة - رضي الله عنها -.

وهكذا بدأت مرحلة الرسالة وقد سبقتها ثلاث سنوات هي مرحلة النبوة.

ومع نزول الوحي المحمدي عرف البشر مصدرا للتلقي والعلم عن الله عز وجل، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تكفل الله بحفظه لينير لأجيال العالمين الطريق الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم صراط الله العزيز الحميد.

تكفل الله بحفظ القرآن

وقد تكفل الله بحفظ القرآن الكريم من أن يزاد فيه ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو من أحكامه وحدوده وفرائضه، فهو الكتاب الخالد المحفوظ بحفظ الله له على تعاقب الزمان واختلاف السكان، فما دام القرآن دستور الرسالة الإسلامية، وما دامت الرسالة الإسلامية لكل البشر، في كل الأزمان والأصقاع، فإن حفظ القرآن وخلوده لازم ودائم دوام الرسالة نفسها. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (١)


(١) الحجر: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>