للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظرا لطبيعة الإسلام التي تحمل الإنسان المسئولية، وتطلب منه بذل الجهد في الوصول إلى الحق والحفاظ على المبدأ والجهاد في سبيل الرسالة، فإن الله تعالى هيأ للقرآن الكريم كل لوازم حفظه وخلوده، فمنذ كان الوحي الأمين يلقي الآيات القرآنية على سمع النبي الأمين، بينت آيات كريمة أن الله يتكفل بحفظ النبي لهذه الآيات ونبهت الرسول إلى ألا يسترسل في بذل الجهد العنيف في الانتباه والتحفز النفسي والشد العقلي الكثير خوفا من تفلت آيات الوحي منه وعدم القدرة على حفظها ... قال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}.

لقد حفظ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، وكان جبريل يتعاهده به ويعرضه عليه في رمضان من كل عام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يملي ما ينزل عليه من الآيات على الكتاب من الصحابة منذ المرحلة المكية.

وقد بلغ عدد كتاب الوحي تسعة وعشرين كاتبا أشهرهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير بن العوام وسعيد بن العاص وعمرو بن العاص وأبي بن كعب ومعاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت ومعاوية وزيد كانا أكثر التصاقا بهذه المهمة الخطيرة، وكانت الكتابة في الغالب على قطع الجلد وأكتاف العظام وجريد النخل وصفائح الحجارة، إذ لم يكن البردي متوافرا آنذاك في الحجاز.

وكان كتاب الوحي يحتفظون بما يكتبونه عندهم، ولم تكن ثمة نسخة عند الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وقد جمع القرآن أربعة من الأنصار هم أبي بن كعب ومعاذ ابن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد (١) من الصحابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن كانت الرقاع متفرقة بينهم، وكانت بمجموعتها تشتمل على نص القرآن الكريم كاملا كما أملاه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما كان محفوظا في صدور الكثيرين من الصحابة إلى حد التواتر


(١) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ٩/ ٤٧ وكتاب المناقب، باب مناقب زيد بن ثابت ٧/ ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>