وقد حظي بعض الصحابة بالعرضة الأخيرة للقرآن الكريم حيث عرض جبريل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم عام وفاته في رمضان مرتين، وعرضه الرسول على بعض الصحابة منهم زيد بن ثابت، وميزة هذه العرضة أنها تمثل نص القرآن الخالد دون الآيات التي نسخت تلاوتها.
وكان هذا مما رشح زيد بن ثابت للقيام بجمع نسخة كاملة من القرآن الكريم بأمر من الخليفة أبي بكر الصديق تنفيذا لاقتراح قدمه عمر بن الخطاب (رض الله عنهما).
قال أبو بكر لزيد:(إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه)(١). فقام زيد بهذه المهمة بكل دقة، واعتمد على ما كتب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يشهد شخصان بأن المكتوب من إملاء الرسول ذاته وأنه جزء من التنزيل في صورته النهائية.
وهكذا تم الجمع الأول للقرآن الكريم في خلافة الصديق، وانتقل المصحف من الصديق إلى عمر بن الخطاب الذي أودعه لدى حفصة أم المؤمنين عند استشهاده. فلما بويع عثمان رضي الله عنه بالخلافة قام بالجمع الأخير معتمدا على المصحف الذي عند حفصة مع تشكيل لجنة من زيد بن ثابت الذي تولى الجمع الأول ومعه عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، ويلاحظ أن الثلاثة الأخيرين من قريش، في حين أن زيد بن ثابت أنصاري ويفسر طبيعة تكوين اللجنة ما ذكره عثمان من قاعدة العمل:(ما اختلفتم فيه وزيد فاكتبوه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم).
وقد أتمت اللجنة عملها بنجاح ونسخت ست مصاحف وزعت أربعة منها على مكة والشام والكوفة والبصرة، وبقي المصحف الخامس في المدينة والسادس لدى عثمان .. وصارت المصاحف تنقل عنها عبر القرون التالية ويقال لرسمها (الرسم العثماني) نسبة إلى الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(١) صحيح البخاري ٦/ ٩٨ وانظر التفاصيل في الاتقان للسيوطي ٧٦.