للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومفاهيمها ,مما حرفه عن الطريق الأصيل الذى وجه إليه القرآن أتباعه, وبهذه الصورة الجاهلية استورده المسلمون فيما استوردوا من ثقافة الغرب, مما كان له أثر خطير فى تشويه صورة الإنسان ودوافع سلوكه لدى مدرسة التحليل النفسي الفرويدية.

إن الخواطر التى تبعث على إرتكاب الجريمة تبدأ بتسويل من النفس لتطويع المجرم ,قال تعالى على لسان أبي يوسف عليه السلام: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (١) ومن يقرأ قصة يوسف عليه السلام فى القرآن يجد تحليلا دقيقا لكوامن الغيرة والحسد فى نفوس إخوة يوسف, ويجد عواطف الأبوة والرحمة والحب والأمل بالله وعدم اليأس من روحه فى نفس يعقوب, ويجد تحليلا لشخصية بعض النساء ممن ينتمين إلى طبقة الحكم بمصر فى ذلك العصر, بل ويقرأ تعبيرا للرؤيا التنبؤية التى هى جزء من الوحى.

وفى قصة قتل قابيل لأخيه هابيل تطالعنا دوافع أول جريمة قتل على الأرض بسبب الحسد, عندما تقبل الله تعالى قربان هابيل ولم يتقبل من الآخر, وهنا يبرز الدافع النفسي لارتكاب الجريمة تلعب فيه النفس الأمارة دورا بارزا قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} (٢) لكنه سرعان ما ندم على ما فعل, فأراد أن يقدم الإحسان للقتيل ,ولم يأب أن يتعلم من الغراب طريقة الدفن {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} (٣) وهكذا كشفت قصة ابنى أدم عن النفس الأمارة والنفس اللوامة فى لقطة سريعة وبعبارات وجيزة تكشف عن أغوار الإنسان وتعرفه بذاته. وبذلك تتقدم به نحو الرشد الفكرى, بتكوين معتقداته الأساسية التى تمنع وقوعه فى التيه ,والاحساس بعبثية الحياة ولا جدوى الوجود, أو عدم معقولية العالم التى سقط ضحيتها الكثيرون من أبناء القرن العشرين, عندما ضاعت منهم حقائق الدين فى تثبيت أهداف الخلق والحياة ,وتحديد قضية مصير


(١) يوسف:٨٣.
(٢) المائدة:٣٠.
(٣) المائدة: (٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>