للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه ونأى جنبا عن ربه, فإن باب التوبة مفتوح أمامه للعودة {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (١).

إن ما جُبلت عليه النفس الأمارة من سوء يقتضى من الإنسان الحذر منه ومدافعته, وإلا سقط فى المحذور وارتكب جرما بحق نفسه, أو بحقوق من حوله أو بحق الله تعالى.

قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (٢) وقد لا يبدو السوء ظاهرا للعيان, بل مستورا بالخديعة والمكر, مزخرفا بالتزيين والتحسين, يحتاج الكشف عنه إلى العمل والتثبيت والعرض على كتاب الله تعالى وسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وإجماع العلماء. قال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٣) وسمى القرآن هذا التزيين وسوسة كما فى قول الله تعالى: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} (٤) وقوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} (٥).ولا شك أن قدرة الناس على معرفة الخير الخالص والحق المحض ليست واحدة, بل يتبع ذلك بصيرتهم ومعرفتهم بالشرع وتمييزهم للخير وللشر, فكلما تيقظت بصائرهم وزادت تقواهم وعظمت معرفتهم بالشرع وحدوده ,ازدادوا قدرة على تمييز نفحات الخالق وخطرات الخير, من وساوس الشيطان وتزيينه ونفثات النفس الأمارة ومكايدها.

ولا عذر لمن غفل عن الله وأهمل التعرف على أحكام الشرع بادعاء الجهل, فإن الله تعالى ذم أولئك الذين يلتبس عليهم الخير والشر ويفقدون القدرة على الرؤية الصحيحة فقال تعالى: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (٦) وقال: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} (٧).

وكيف يعذر من بلغته دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم_ وفيها البيان والتبصير والمعرفة والتذكير, وقد قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ للشيطان لَمَّةً بابن أدم,


(١) الزمر:٥٣.
(٢) يوسف:٥٣.
(٣) الأنعام:٤٣.
(٤) الناس:٥.
(٥) الأعراف:٢٠.
(٦) الكهف:١٠٤.
(٧) فاطر:٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>