للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما دامت الهداية بيد الله وحده, فمن لم يشأ أن يهديه لا يهتدى حتى ولو رأى الملائكة عياناً وكلمه الموتى جهارا وعاين كل شئ معاينة فانجلى له الأمر تماما ,وهذا فيمن كتب الله عليهم الشقاء ,وأما من كتب لهم السعادة والإيمان فهم الذين استثناهم الله تعالى بقوله: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وقد أكد القرآن على هذه الحقيقة فى آيات كثيرة .. فقال تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ} (١).

وهنا يكشف الله تعالى عن حقيقة أخرى هى سنته فى الكافرين إذا جحدوا المعجزة الحسية ,فهو يعجل لهم العقاب ولا يفسح لهم الوقت للتوبة ,فكان عدم إجابة طلب المشركين رحمة بهم وإنظارا لهم ليثوب إلى الحق من كتبت له السعادة والإيمان ,وأما أهل الشقاء فلن تغير المعجزات مصيرهم مهما بلغت عظمتها واتسع خرقها لقوانين الحياة والطبيعة, وكما قال تعالى فى آية أخرى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} (٢).

وهكذا حتى لو استجاب الحق لطلب المشركين المعجزات الحسية ,فإنهم سيتأولونها بأعمال السحرة, ويبطلون حجيتها عنادا واستكبارا ,تحقيقا لما كتبه الله عليهم من الشقاء.

وهكذا فإن المعجزة القرآنية انفردت بالظهور والتأثير الكبير ,لما تتسم به من خلود يتسق مع خلود الرسالة الإسلامية وعمومها, أما بقية المعجزات الحسية فقد ظهرت غالبا للصحابة رضوان الله عليهم, وكان أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم بينا, وقد استجابوا لدعوته قبل ظهورها ,فلم تكن سببا فى إيمانهم ,وإنما كان إطلاعهم على أحواله عليه الصلاة واسلام وكرامته على الله تعالى مما يزيد فى انشراح صدورهم وطمأنينة قلوبهم, بل كثيرا ما وقعت المعجزات الحسية لإزالة الكرب


(١) الأنعام:٧ - ٨.
(٢) الحجر:١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>