للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقبله الفلسفات الحسية لأنه ظاهرة لا يمكن إخضاعها لتجاريب المختبرات , ولكن الإيمان بالغيب شرط الإسلام: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} (١).

كان المشركون إذا يطالبون النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمعجزات الحسية ,واعدين بالإيمان إذا رأوا وسمعوا ,ولم يعتمد منهج الدعوة المحمدية أسلوب المعجزات الحسية فى هداية الناس إلى الله ونبيه ورسالته اعتمادا كبيرا, ولكن السيرة المحمدية لم تخل من خرق للسنن الطبيعية ,لكن الخرق كان يحدث أمام المؤمنين غالبا ولم يكن سببا فى إيمانهم ,لكنه كان يطمئن قلوبهم ويزيدهم إيمانا ,فضلا عن رفع الشدائد وحل الأزمات وتيسير الصعاب عليهم.

ومن الأحداث النادرة التى استجاب الله تعالى فيها لتحدى المشركين ما رواه البخارى فى صحيحه من "أن أهل مكة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يريهم آية, فأراهم إنشقاق القمر فقال عليه الصلاة والسلام: اشهدوا" (٢).

وقد فصل حديث صحيح حادثة انشقاق القمر فى المرحلة المكية من حديث الصحابى جبير بن مطعم -رضى الله عنه- قال: (انشق القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصارت فرقتين, فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل, فقالوا: سحرنا محمد وقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم) (٣).ولم يكن قولهم سحرنا محمد تعبيرا عن اقتناعهم , وإنما كان ذريعة للتخلص من وعدهم بالإيمان عند رؤية المعجزة ,فالفرق بين معجزة النبى وعمل الساحر ظاهر ,فهم لم يألفوا من رسول الله تعلم السحر وتعاطيه, ولذلك لم يجر على لسان المشكرين بيان اكتسابه ومن علمه إياه. ثم إن النبى يريد هدايتهم إلى الحق وليس جرَّ نفع لنفسه كما هو شأن الساحر.

وإذا كان انشقاق القمر استجابة لطلب المشركين وكشفاً لعنادهم وكذبهم فإنَّ حادثة الإسراء والمعراج وما رافقها من وصف دقيق لبيت المقدس قدَّمه الرسول


(١) البقرة:٣.
(٢) رواه البخارى فى صحيحه٦/ ٦٣١.
(٣) رواه الإمام أحمد فى مسنده ٤/ ٨١ وروى ابن حبان طرفه (موارد الظمآن ٥١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>