من شعبان من السنة الثانية من الهجرة. وأما الحج فقد فرض سنة ست للهجرة، وابن القيم أن افتراضه كان سنة تسع.
ويتمثل منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في العبادة بإقامة الفرائض والإكثار من النوافل والاهتمام بالعبادات القلبية من ذكر وخشوع وإنابة رغم غفران الله له ورضاه عنه.
قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (١)، وقد نزلت سورة الفتح في طريق عودة المسلمين من الحديبية إلى المدينة، بعد عقد صلح الحديبية، وكان فرح الرسول صلى الله عليه وسلم بها عظيما، لما فيها من إقرار لموافقته على الصلح، وتبشير للمسلمين بأن ما تم فتح لهم، لما وراءه من الخير الكثير الذي تحقق بانتشار الإسلام بعد الصلح, وكذلك فإن الآية أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشارة العظيمة {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}.
فما كان حال النبي الموعود بغفران الذنوب؟ هل ترك العمل وجنح إلى الراحة؟ وهل قلل ذلك الغفران من جده في العبادة واجتهاده في الجهاد، وهل قنع بما قدم وطوى صفحات الكفاح في السلم والحرب؟
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، بل مضى دءوباً في ملء أشواق روحه، وتطلعات قلبه الذي انغمر بمحبة الله تعالى، ولم يعد يفيض إلا الذكر والشكر، قلبه الذي ينبض بذكر الله ويخفق بشكره لا يسعه إلا المضي في السبيل الذي اعتاده، لقد بلغ الستين من عمره أو كاد حين نزول سورة الفتح، وكان العقدان الأخيران حافلين بمهام جسيمة تمثلت في حمل أعباء الرسالة وتبليغها، ومقارعة خصومها بالحجة والبيان في مكة، ثم بالحجة والسنان في المدينة وهو في صراعه الطويل من أجل الحق لا يدع التزود من طاقات الروح الهائلة بوصلها بالخالق القدير، فكان كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كان يصلي ليلا طويلا