للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قائما، وليلا طويلا قاعدا، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو جالس ركع وسجد وهو جالس" (١).

ولم يكن يكلف نفسه فوق ما تطيق، بل يعمل ما يتيسر له حسب مراحل عمره وقوة جسده، فلما ثقل جسمه الشريف ولم يعد يطيق القيام الطويل في صلاة التطوع أخذ يصلي قاعدا، قالت عائشة رضي الله عنها: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان أكثر صلاته وهو جالس" (٢).

وكان قيامه لصلاة الليل طويلا، وكان أصحابه رضوان الله عليهم لا يطيقون ما يطيق قال عاصم بن ضمرة، سألت عليا كرم الله وجهه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنكم لا تطيقون ذلك" (٣).

وعن عبد الله بن مسعود قال: "صليت ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء. قيل له وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأدع النبي صلى الله عليه وسلم (٤)! " فعبد الله بن مسعود لم يكن يطيق - على ما عرف عنه من كثرة العبادة - ما يطيق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خطر في ذهنه أن يجلس في الصلاة، ويدع رسول الله قائما لفرط تعبه، لكنه لم يفعل وغالب الخطرة، لكنه لم ينس الموقف وأخبر الناس بطول صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبا لهم في العبادة وحثا على الاقتداء بالنبي المغفور له، الذي يعبد الله تعالى تحت شعار "أفلا أكون عبدا شكورا" فكيف بمن لا يدري إلى أين يصير إلى الجنة أم النار؟

لقد وصف لنا عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - كيف يمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليله، فقد بات ابن عباس عند خالته ميمونة -وهي أخت أمه لأبيه- فشاهد ما حدث وحدَّثَ به قال: "فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل، أو قبله


(١) مختصر الشمائل المحمدية ١٥٢ وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(٢) مسلم: الصحيح رقم ١١٦.
(٣) رواه الترمذي وقال حديث حسن (مختصر الشمائل المحمدية ١٥٤).
(٤) مسلم: الصحيح ١/ ٥٣٧ رقم ٧٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>