للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أنس رضي الله عنه: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم (فإنك مع من أحببت) (١).

قال القرطبي: وإنما كان فرحهم بهذا القول عنه صلى الله عليه وسلم أشدَّ من فرحهم بسائر أعمال البر، أنهم لم يسمعوا أن في أعمال البر ما يحصل به ذلك المعنى من القرب من النبي صلى الله عليه وسلم والكون معه إلا حب الله ورسوله، فأعظم بأمر يلحق المقصر بالمشهِّر، والمتأخر بالمتقدم، ولما فهم أنس أن هذا اللفظ محمول على عمومه علق به رجاءه وحقق فيه ظنه فقال: أنا أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وان لم أعمل بعملهم.

وقد بيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم حدود المحبة اللازمة عندما قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا رسول الله أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي"

فقال: لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك.

فقال له عمر: فإنك الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي.

فقال: الآن يا عمر" (٢). وعلامة هذه المحبة إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم التقدم عليه بالقول أو العمل، فلا يكون رأى الإنسان أحب إليه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحكمه، وعلامة حدود المحبة وبلوغها المرتبة الواجبة أن تكون نصرة السنة والذب عن الشريعة أحب لديه من رعاية مصالحه والحفاظ على نفسه وأهله وماله وجاهه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" (٣).

وقوله: "ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" (٤).


(١) صحيح مسلم ٤/ ٢٠٣٢ حديث رقم ٢٦٣٩.
(٢) صحيح البخاري ٧/ ٢١٨.
(٣) صحيح البخاري ١/ ٩، وصحيح مسلم ١/ ٦٧ حديث رقم ٧٠ واللفظ له.
(٤) صحيح البخاري ١/ ٩ وصحيح مسلم ١/ ٦٦ حديث رقم ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>