للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال البيضاوي: المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه، وان كان على خلاف هوى النفس؛ كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله، فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر ولا ينهي إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل. والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك، تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعا له، ويتلذذ بذلك التلذذ عقليا، إذ الالتذاذ العقلي ادراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك. ومما يستدعي محبة الرسول التفكر في عظم رسالته وجهاده في تبليغها طيلة حياته، حرصا على هداية أكبر عدد من الناس ,حتى إن الله تعالى امتن على العبادة ببعثته صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (١).

وجاء في صحيح مسلم عن معاوية رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا لدينه ومنّ علينا بك .. فقال لهم: أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة" (٢).

وهذه المحبة التي ربطت بين النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم حملتهم على افتدائه بأرواحهم وأهليهم وأموالهم.

هذا أنس بن النضر رضي الله عنه رأى بعض المسلمين قعوداً محتارين بعد أن اشاع المشركون خبر مقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فصاح بهم: "واها لريح الجنة أجد دون أحد" فقاتل حتى قتل، ووجد في جسده بضع وثمانون أثرا من بين ضربة ورمية وطعنة، حتى ما عرفته أخته الربيع بنت النضر إلا ببنانه، ونزلت فيه وفي أمثاله من المجاهدين الصادقين هذه الآية {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ


(١) آل عمران ١٦٤.
(٢) صحيح مسلم ص ٢٠٧٥ وسنن الترمذي حديث رقم ٣٣٧٩ واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>