للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل قد ذكرت عائشة رضي الله عنها: "أنه كان لها بنات - تعني اللُّعب - وكان إذا دخل النبي صلى الله عليه وسلم استتر بثوبه منها. قال أبو عوانة: لكيلا تمتنع (١).

ولم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم غضاضة في أن يسابق عائشة - رضي الله عنها -مرتين في منأى عن الناس لادخال السرور على قلبها. قالت عائشة - رضي الله عنها -: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدَّموا فتقدَّموا. ثم قال لي: تعالي أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس: تقدموا فتقدموا ثم قال: تعالى حتى أسابقك، فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك" (٢).

وكان يتلطف معها بالكلام ويداعبها قال لها مرة: إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى. قالت: ومن أين تعرف ذلك؟

قال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا وربِّ محمد. وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم. قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك" (٣).

فما أحسن هذه المعاشرة وما ألطف رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحسن خلق عائشة رضي الله عنها مع زوجها الرسول الكريم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق الطبع، حسن العشرة، عميق العاطفة، لكن هذه الخصال لم تؤثر على التزامه الدقيق بالعدل بين نسائه أمهات المؤمنين، وهو التزام بشرع الله تعالى الذي بلغه للناس وبينه لهم قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (٤).


(١) ابن سعد: الطبقات ٧/ ٦٥ بإسناد صحيح.
(٢) أحمد: المسند ٦/ ٢٦٤ بإسناد حسن، وأبو داود: السنن ٢/ ٢٨ مختصرا.
(٣) متفق عليه (صحيح البخاري كما في فتح الباري ٩/ ٣٢٥ وصحيح مسلم ٤/ ١٨٩٠ حديث رقم ٢٤٣٩.
(٤) النساء: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>