للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفرح للقاء أقاربها ويكرمهم حتى غارت أم المؤمنين عائشة لإكثاره من ذلك وإلا فهل يغار الحي من الميت!!

ولم يمنعه حبه لعائشة أن يصرِّح بفضل خديجة ومكانها في قلبه، ولو في ذلك الموقف الذي ظهرت فيه غيرتها، بل لم يكتم حبه لها وقد مضت على وفاتها أكثر من خمس سنين؟ فقال لعائشة: "إني قد رزقت حبها" (١)! فما أعظم وفاءه وما أرحب قلبه وما أصدق لسانه، وما أصرح وأفصح تعبيره!؟

إن محمدا الرسول البشر لا يجد غضاضة في أن يحب امرأته، وأن يصارحها بذلك معبرا عن عاطفة خيرة، ويكتم كثيرون سواه عواطفهم تجاه أزواجهم لئلا يخدش كبرياؤهم، أو يقل احترامهم فيما يحسبون وهم مخطئون. روى البخاري عن عمرو بن العاص أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحبُّ إليك؟ قال: عائشة (٢).

وكان عليه الصلاة والسلام يراعي صغر سن عائشة - رضي الله عنها - وحبها للعب مع صديقاتها، قالت عائشة:

"كنت ألعبُ بالبنات - أي اللُّعب - عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمَّعن منه - أي يختفين - فيسربهن إلي فيلعبن معي" (٣).وكانت عائشة - رضي الله عنها - توصي المسلمين بمراعاة ذلك مع أزواجهم حديثات السن تقول: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأم، فأقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو" (٤).

وهكذا سبق الإسلام نظريات التربية الحديثة في إعطاء الحرية للصغير في اللعب والتسلية البريئين.


(١) صحيح مسلم ٤/ ١٨٨٨ حديث رقم ٢٤٣٦.
(٢) متفق عليه (صحيح البخاري ٨/ ٧٤ وصحيح مسلم ٤/ ١٨٥٦ حديث رقم ٢٣٨٤).
(٣) صحيح مسلم ٤/ ١٨٩٠ حديث رقم ٢٤٤٠.
(٤) متفق عليه (صحيح البخاري - فتح الباري ٩/ ٣٣٦. وصحيح مسلم ٢/ ٦٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>