للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت زينب بنت جحش تطاول عائشة وتفاخرها في الحظوة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكرت عائشة في حديث الإفك (١)، وكانت تفخر بأن الله تعالى زوجَّها من الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنزل في ذلك قرآنا {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} (٢).

أما عائشة رضي الله عنها فكانت البكر الوحيدة من أزواجه صلى الله عليه وسلم، وكانت تدل بذلك وتشير إليه بذكاء وفطنة امتازت بها، تقول: "يا رسول الله أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجرة لم يؤكل منها في أيها ترتع بعيرك؟ قال: في التي لم يرتع منها. تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها" (٣) وهذا الإدلال المقبول لا يخالف الحقيقة ولا يجانب الصدق، فليس من ضرر في استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم وإرضائه لهذا الإدلال والاعتزاز، وإدخاله بذلك السرور على قلب زوجه.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب إذا تجاوزت الغيرة حدها، واعتدت على حقوق الآخرين، فلم يكن زمام الموقف يفلت من يده بل كان يبين الخطأ ويقومه. قالت عائشة رضي الله عنها: "ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة. فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد" (٤).

وهكذا كان عظيم وفائه لزوجه خديجة أول من آمن به وآزره, وتحمل معه أعباء دعوته فكان يذكرها دائما ويثني عليها وأبدا، ويصل صديقاتها ومعارفها،


(١) ابن حجر: فتح الباري ٧/ ٤٣١.
(٢) الأحزاب:٣٧.
(٣) صحيح البخاري (فتح الباري ٩/ ١٢٠).
(٤) متفق عليه واللفظ للبخاري (فتح الباري ٧/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>