للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحتى التمر ما شبعوا منه حتى فتحت خيبر، وأما اللحم وخبز البر والسمن والقثاء فقلما كانوا ينالونه، وقد يمضي عليهم الشهر والشهران ما يوقدون ناراً تحت قدر لا لخبز ولا لطعام إلاّ نادراً، مكتفين بالتمر والماء, وقد يبيتون الليالي طاوين، لا يجدون عشاء، لقد خيِّرنَ فاخترنّ متطلعاتٍ إلى الرفيق الأعلى {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}.

لقد انتبه كارلايل (Carlyle) إلى ظاهرة الزهد في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "لم يكن محمد في حياته الشخصية من عشاق اللَّذة على الإطلاق، فقد كان متاع بيته يعد من أكثر الأمور اعتدالا، ومع ذلك فلم يحظ أي قيصر بتاجه بالطاعة مثلما حظي هذا الرجل بردائه الذي كان يرقعه بيده" (١)

واعتبر دروزة هذه الحادثة وما نزل فيها من القرآن "أقوى رد على سفهاء المبشرين ومغرضي المستشرقين الذين حاولوا النيل من أخلاقه الكريمة في نسبتهم حب الدنيا ومباهجها وشهواتها إليه، مع ما كان منه من استغراق في الدعوة وابتعاد عن ذلك في مكة، وتبدو قوة الرد حينما يلاحظ أن الآيات قد نزلت في أواسط العهد المدني وبعد أن تمكن من القضاء على أعدائه .. " (٢).

إن قصة زواجه من أم المؤمنين زينب بنت جحش أثارت جدلاً طويلاً لذلك يلزم تفصيل خبر هذا الزواج الذي نزل فيه قرآن.

قال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (٣).


(١) سيرة الرسول في تصورات الغربيين لجوستاف بفانمو للمر g.pfannmulle ترجمة د. محمود حمدي زقزوق (ضمن بحوث مجلة مركز بحوث السنة والسيرة في قطر. العدد الثاني ١٤٠٧ هـ (١٩٨٧ م) ص١٣٠.
(٢) محمد عزة دروزة: سيرة الرسول ١/ ٥٦.
(٣) الأحزاب:٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>