للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفبعد هذا يجترئ المتشدقون فيمدّون ألسنتهم بالأراجيف الباطلة، والتهم الكاذبة لتشويه صفحة طاهرة من جوانب حياة النبي الكريم، وكأنه أمضى حياته في النعيم، وقضى وقته مع الزوجات العديدات، متناسين زهده وشظف عيشه حتى ضاقت بذلك أمهاتُ المؤمنين، وطلبن التوسعة عليهن في النفقة، فنزلت آية التخيير وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (١).

فأمره الله تعالى أن يخيِّر أزواجه بين بقائهن معه، واحتمالهن عيشه وزهده، وبين الطلاق مع إعطائهن حقوقهن وتكريمهن، وقد اختارت أمهات المؤمنين البقاء في عصمته. وقد ذكرت عائشة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخيِّر أزواجه" قالت: فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري - أي تستشيري- وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه.

قالت: ثم قال: إن الله قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة (٢).

وأما بقية أزواجه - رضي الله عنهن - فقلن كما قالت عائشة، فصبرن على ضيق النفقة وقلة المئونة، رغم أنهن من عقيلات قريش والعرب، وعشن قبل الزواج في ثراء الآباء، وتذوقن رغد العيش، واعتدن الحياة الكريمة، لكنهن آثرن عند تخييرهن الله ورسوله والدار الآخرة.

وقد استفاضت الروايات في بيان قلة الطعام في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان أهله يشبعون من خبز الشعير يومين متتاليين، وكان جل طعامهم التمر،


(١) الأحزاب: ٢٨،٢٩.
(٢) متفق عليه (صحيح البخاري كما في فتح الباري ٨/ ٥١٩، وصحيح مسلم ٢/ ١١٠٣ حديث رقم ١٤٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>