للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينتقص الصحابة رضوان الله عليهم فقرأ الإمام مالك هذه الآيات حتى بلغ {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} فقال مالك: من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية.

ذلك الجيل الذي بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، وحفظ القرآن والسنة، ولو فرط فيهما ما وصلا إلينا سالمين محفوظين بحفظ الله تعالى، لذلك ذهب كثير من العلماء إلى أن الطعن في جيل الصحابة إنما هو طعن في مصادر تلقينا للقرآن والسنة. وبالتالي فهو طعن بالدين.

ذلك الجيل الموصوف بالخيرية والأفضلية المطلقة على سائر الأجيال كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني. ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. إنَّ بعدكم قوم يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يُسْتَشهدون، وينذرون ولا يَفُون، ويظهر فيهم السِّمَنُ" (١).

وهذه الخيرية تجعل من جيل الصحابة مُثُلا عليا للمسلمين في كل زمان ومكان، فهم يتطلعون إليهم ويعتذرون بهم، ويقتدون بأعمالهم، ويسترشدون بسيرهم، تلك السير المتنوعة في الحرب والسلم والعبادة والمجاهدة والمعاملة مما يكفل للمسلمين في مختلف العصور نماذج متنوعة صالحة للاقتداء.

ففي الحرب تجد الصحابة مؤمنين محتسبين مجاهدين ثابتين وصفهم القرآن في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}

(٢).

وهم في السلم هداة معلمون، ومصلحون عاملون، وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم أَمَنةٌ لأمته، ففي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النجومُ أَمَنَةُ السماء، فإذا ذهبت النجومُ أتى السماءَ ما تُوعد، وأنا أَمَنةٌ لأصحابي, فإذا


(١) رواه البخاري (الصحيح ٣/ ١٥١).
(٢) آل عمران: ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>