للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حددت الآية والحديث قاعدة عظيمة في تحديد المسئولية فالإنسان لا يسأل عن الخواطر التي تقع في نفسه ما لم يتكلم أو يعمل بها كما في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به" (١).

إذ لا يسيطر الإنسان على الخطرات والصور التي ترد إلى ذهنه، ومن هنا أحس الصحابة رضوان الله عليهم بالحرج عندما نزلت الآية {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} لكنهم بادروا بالطاعة فرفع الله عنهم الحرج، كذلك فالإنسان لا يُسأل إلا عن الأعمال التي صدرت منه في حال العقل والعمد والاختيار، ومن هنا لم يُعتبر الكفر مع الإكراه قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} ولم يعتبر الطلاق للمجنون والمكره، ولم يعتبر ما أكله الصائم ناسياً قادحاً في صومه.

فهذا التيسير في الأحكام إنما كان ببركة مبادرة الصحابة إلى الطاعة مع الإحساس بالمشقة.

وقد حثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المبادرة إلى الطاعة، خوفاً من تغير الأحوال وإقبال الفتن والأهوال، مما يصرف الإنسان أو يضعفه عن المبادرة إلى الإحسان والطاعات، فقال: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يُصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يُمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيعُ دينه بعَرَض من الدنيا" (٢).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: "أن تصدَّقَ وأنت صحيحٌ شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحُلقوم. قلت: لفلانٍ كذا ولفلانٍ كذا وقد كان لفلان" (٣).


(١) صحيح مسلم، رقم الحديث ١٢٧.
(٢) صحيح مسلم رقم الحديث ١١٨.
(٣) صحيح البخاري ٣/ ٢٢٦ وصحيح مسلم رقم ١٠٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>