للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعاهدات سبباً في ازدهار مكة وتكاثر رؤوس الأموال فيها بسبب الانتقال من التجارة المحلية إلى التجارة الدولية، وساعد النزاع بين الفرس والروم على ازدهار طرق التجارة البحرية بدل الطريق البري بين العراق والشام فكانت البضائع تنقل من الهند إلى اليمن ثم مكة فالشام، وصارت القوافل الكبيرة تمول من قبل عدد كبير من المكيين بشكل أسهم في تزيد وتنقص حسب قدراتهم المالية، وهكذا ساعدت التجارة على تعميق أواصر المجتمع المكي إذ ربطته بالمصالح إلى جانب وشائج القربى. لكن هذه المشاركة لم تحل دون نشوء طبقة غنية متخمة وأخرى متوسطة وثالثة معدمة، فرؤوس الأموال الكبيرة بيد الأغنياء، وهي تتعاظم بالتجارة وبالإقراض الربوي للمحتاجين، وبالاستثمار في الزراعة في الطائف المجاورة. وهكذا كان من أغنياء مكة من يأكل بصحاف الذهب والفضة في حين كان أكثر أهل مكة فقراء.

وكانت تجارة مكة تسلك أحياناً الطرق البحرية إلى جانب الطرق البرية، لكنها لم تكن تملك أسطولاً تجارياً بل تستخدم السفن الحبشية في العبور إلى الحبشة أما السفن الرومية فكانت تصل إلى ميناء الشعيبة قبل أن تأخذ مكانها جدة في خلافة عثمان (رض). وكانت قريش تحصل من الحبشة على البخور والأطياب وريش النعام والعاج والجلود والتوابل والرقيق الأسود، وتحصل من الشام على القمح والدقيق والزيت والخمر، وتحصل من الهند على الذهب والقصدير والحجارة الكريمة والعاج وخشب الصندل والتوابل كالبهار والفلفل ونحوها والمنسوجات الحريرية والقطنية والكتانية والأرجوان والميعة والزعفران والآنية الفضية والنحاسية والحديدية. وكانت تحمل حاصلات بلاد العرب من الزيت والبلح والصوف والوبر والشعر والجلود والسمن.

والاقتصاد التجاري يحتاج إلى الأمن، وقريش كانت تستعمل سياسة الحلم واللين وليس القوة للوصول إلى غاياتها التجارية وأمان طرقها الخارجية. ولم تدخل قريش في حروب قبل الإسلام سوى حروب الفجار الأربع التي هي

<<  <  ج: ص:  >  >>