للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حروب صغيرة ومناوشات. وقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم آخرها وهو الفجار الرابع وعمره عشرون سنة، ولم تحرز قريش النصر على الأعراب في تلك المناوشات. وقد ساعدها على تحقيق الأمن وجود الكعبة التي يحج إليها العرب من شتى الأصقاع حيث تحيط بها أصنامهم الستون والثلثمائة بعضها جلبها عمرو بن لحي الخزاعي - وهو أول من غير دين إبراهيم عليه السلام - من الشام مثل هبل وبعضها صنع محلياً وبعضها ليست مصنوعة بل هي حجارة مثل أساف ونائلة. وكون مكة مركزاً لعبادة العرب يمنح قريشاً الاحترام ويحقق لها الإيلاف مع القبائل والحماية بالتالي لتجارتها. وحرمة مكة قديمة ترجع إلى إبراهيم عليه السلام وقد ظلت أرضاً مقدسة وحرماً آمنا حتى ظهور الإسلام الذي أكد على حرمتها وقدسيتها، ولم يقتصر تقديس الكعبة على المكيين بل امتد إلى العرب في شبه الجزيرة، ولم تتمكن بيوت الأوثان والأصنام من منافستها مثل بيت الأقيصر وبيت ذي الخلصة وبيت صنعاء وبيت رضاء وبيت نجران، ولم تنجح محاولة أبرهة لتحويل الحج إلى القليس التي ابتناها في صنعاء بعد أن أخفقت حملته العسكرية على مكة سنة ٥٧٠ م. ورغم وجود أخبار عن سكان مكة القدامى وهم جرهم ثم خزاعة ثم قريش فإن معظم الأخبار تخص قريشاً، وكثير من أخبارها تشعر بأنها صالحة للبحث التأريخي وليست أسطورية. وخاصة بعد أن جمع قصي بن كلاب عشائر قريش واستولى بها على مقاليد الأمور بمكة - وذلك في النصف الأول من القرن الخامس للميلاد، وبذلك يتطابق التاريخ السياسي والأدبي لأن تاريخ الأدب الجاهلي لا يرقى إلى أكثر من ١٥٠ سنة قبل الإسلام- وكانت بيد خزاعة ووزع رباع مكة وخططها بين قريش، فبدأت تبني دورها بالحجر داخل الحرم بعد أن كانت منطقة مشجرة خالية من البناء، وكان الشجر مقدساً لا يقطع حتى قطعه قصي فتجرأ الناس على قطعه. ثم قام قصي بتنظيم مكة فقسم الوظائف والواجبات بين أولاده وهي الحجابة والسقاية والرفادة واللواء والندوة، وكان قصي قد اتخذ لنفسه دار الندوة وجعل بابها إلى مسجد الكعبة،

<<  <  ج: ص:  >  >>