وقد حاول البعض استغلال التشابه في مناسب الحج بين الجاهلية والإسلام، وبعض الشعائر التعبدية الأخرى، لإثارة شبهات هي أن تعاليم الإسلام امتداد للعصر الجاهلية مع تغييرات يسيرة في الطقوس، فعقيدة التوحيد نادى بها بعض شعراء العصر الجاهلي، والحج على الكعبة كان موجوداً من قبل، وكذلك تقديس الأشهر الحرم، وظهور أفكار تتناول القضاء والقدر مع غلبة الجبر، فضلاً عن التشابه في الدعوة إلى المروءة والصدق والكرم والشجاعة.
إن الفهم الصحيح لهذا التماثل لا يتحقق إلا بالاعتراف بالوحي والنبوة، وإن الديانة الإبراهيمية تركت تعاليم وعبادات وقيماً دينية في مكة وما حولها، كما أن أنبياء آخرين بلغوا أدياناً صحيحة إلى الساميين في شبه جزيرة العرب خلال تاريخهم الطويل.
إن الفهم الشامل للإسلام يؤكد أن هذا الدين جاء نقيضاً للواقع الفكري والاجتماعي في الحقبة التي ظهر فيها وليس امتداداً لجهود سابقة، وما هدمه من الواقع الجاهلي أعظم بكثير مما استبقاه.
وإن مراد القائلين (١) بأن الإسلام امتداد وتطور وانعكاس لبيئة فكرية واجتماعية بمكة التأكيد على بشرية القرآن وإنكار النبوة والوحي.
ولا شك أن المقاومة العنيفة التي واجهها الإسلام بمكة وأنحاء الجزيرة العربية عامة تجعل من الصعب قبول الأفكار التي تزعم بأن الإسلام جاء تحقيقاً
(١) حسين مروة (ت ١٩٨٧م): النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية ١/ ٣٨٠ حيث يقرر: "إن الإسلام كان استجابة موضوعية لما يقتضيه مجتمع الجاهلية آنذاك من تغير تأريخي بسبب ما كان يعانيه من تناقضات مادية حادة". وماكسيم رودنسون: حياة النبي والمشكلة الاجتماعية لأصول الإسلام، نشر في مجلة ديوجين - باريس ١٩٥٧ م (انظر بترجمة وتعليق د. زينب رضوان، مجلة الفكر العربي، العدد ٣٢، السنة الخامسة، حزيران ١٩٨٣ م ص ١٧، ١٨، ١٩ حيث يقول وهو يتحدث عن الإسلام: "والتجربة التاريخية على أن أي انقلاب أيديولوجي أراده فرد أو جماعة لا يمكنه النجاح إلا إذا كان يمثل إجابة لاحتياجات المجتمع في جملته".