للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَوَجَدهُ مَكْرُوبًا فقالَ: يا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ أَنْتَ؟ فقالَ: يا أَبه، {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [سورة البقرة:١٤٧] فقالَ مُعَاذٌ: وأَنا إنْ شَاءَ الله سَتَجِدُنيِ مِنَ الصَّابِرِينَ، فأَمْسَكَهُ لَيْلَةً، ثُمَّ دُفِنُوا مِنَ الغَدِ.

وطُعِن امْرأَتَاهُ جَمِيعًا، فأَرَادَ أنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُما أَيِّهِمَا تُجهَّزُ قَبْلَ الأُخْرَى، قالَ الحَارِثُ: فَجَهَّزَهُمَا جَمِيعًا أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وحَفَر لَهُمَا قَبْرًا وَاحِدًا، فَمَا عَدَا أنْ فَرَغَ مِنْهُمَا وطُعِنَ مُعَاذٌ، فأَخَذَ يُرْسِلُ الحَارِثَ بنَ عَمِيرَةَ إلى أَبي عُبَيْدَةَ بنِ الجرَّاحِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ هُو، فأَرَاهُ أَبو عُبَيْدَةَ طَعْنَتَهُ خَرَجتْ في كَفِّهِ، فَتَكَابرَ شَأْنَهَا في نَفْسِ الحَارِثِ، وفَرَقَ مِنْهَا حِينَ رآهَا، فأَقْسَمَ لَهُ أَبو عُبَيْدَةَ بالله مَا يُحِبُّ أنَّ لَهُ مَكَانَها حُمْرُ النَّعَمِ، فَرَجَعَ الحَارِثُ إلى مُعَاذٍ فَوَجَدهُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَبَكَى الحَارِثُ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ إنَّ مُعَاذَا أَفَاقَ فقالَ: لم تَبْكِي عَلَيَّ! أَعُوذُ بالله أنْ تَبْكِي عَلَيَّ، ثُمَّ إنَّ مُعَاذًا اشْتَدَّ بهِ النَّزْعُ، نَزْعُ المَوْتِ، فَنَزَعَ نَزْعًا لم يَنْزَعْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ، فَلَمَّا أَفَاقَ مِنْ غَمرِه فَتَحَ طَرْفَهُ فقالَ: وعِزَّتِكَ إنَّكَ لَتَعْلَمُ أنَّ قَلْبِي يُحِبُّكَ.

وقِيلَ: قالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَصِيبَ آلِ مُعَاذٍ الأَوْفَرَ، فَمَاتَتْ ابْنَتَاهُ، فَدَفَنَهُمَا في قَبرٍ وَاحِدٍ.

* وقالَ الوَاقِديُّ: سُهَيْلُ بنُ عَمْرو بنِ عَبْدِ شَمْسِ بنِ عَبْدِ وُدٍّ بنِ نَصْرِ بنِ مَالِكِ بنِ حِسْلِ بنِ عَامِرِ بنِ لُؤَيٍّ، ويُكْنَى أَبا يَزِيدَ، ماتَ بالشَّامِ في طَاعُونِ عِمْوَاسَ سنةَ ثَمَانِ عَشَرةَ.

* والحَارِثُ بنُ هِشَامِ بنِ المُغِيرَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ بنِ مخْزُومٍ، ويُكْنَى أَبا عَبْدِ