وكَانَ للحَديِثِ والأَثَرِ ومَا يَتْبَعَهُ مِنْ عُلُومٍ في مُقَدِّمَةِ المَوْضوعَاتِ التِّي كانَ يُعْنَى بِهَا أَهْلُ أَصبَهَانَ، حَيْثُ كانَ لَهُم عِنَايةٌ وَافِرَةٌ لسَمَاعهِ، فَكَثُر بِهَا الحُفَّاظُ والمُحَدِّثُونَ كَثرْةً بَالِغَةً، وذَاعتْ شُهْرَتُهَا الحَدِيثِيَّةِ، ويَمَّم شَطْرَها طُلَّابُ الحَديِثِ ورَحَلُوا إليها مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَسْتَمِعُوا إلى أُولَئِكَ المُعَمَّرِينَ الحُفَّاظِ، ولِيَرْوُوا عَنْهُم، إمَّا لِعُلوِّ إسْنَادهِم، وإمِّا لِسَعةِ عِلْمِهِم، وعَظِيمِ مَكَانَتِهِم. في هَذِه البِيْئَةِ العِلْمِيَّةَ الرَّفِيعَةِ، وفي رِحَابِ تِلْكَ الأُسْرَةِ المُتَمَيِّزَةِ المُشْتَغِلَةِ بالعِلْمِ والرِّوَايةِ، نَشَأ الحَافِظُ أَبو القَاسِمِ ابنُ مَنْدَه، وتَلَقَّى عُلُومَهُ الأُولىَ.
ب- طَلَبُهُ للعِلْمِ:
بَدأَ أَبو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ طَلَبَ العِلْمِ وَهُو مَا يَزَالُ يَافِعًا في مُقْتَبلِ عُمُرهِ، حَيْثُ عَهِدَ به أَبُوهُ إلى أَحَدِ الشُّيُوخِ في بَلَدِه لِيُعَلِّمَهُ كَمَا يُعَلِّمُ أَتْرَابَهُ آنَذَاكَ، فَلَمَّا قَارَبَ العَشَرةَ مِنْ عُمُرهِ اتجَهَ لِدِرَاسةِ الحَديِثِ وسمَاعهِ عَلَى أَعْيَانِ العُلَمَاءِ والرُّوَاةِ في بَلَدِهِ.
وأَوَّلُ شَيْخٍ سَمِعَ مِنْهُ الحَديِثَ، وكَتَبَ عَنْهُ، ورَوَى مُؤَلَّفَاتهِ ورِوَايَاتهِ: وَالِدُهُ، الذِي كانَ مِنْ أَعْيَانِ المُحَدِّثينَ، وتُوفيِّ سنة (٣٩٥).
وأَقْدَمُ شُيُوخهِ بعدَ أَبيهِ: المُسْنِدُ أَبو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحمَّدِ بنِ المَرْزُبَانَ الَأبْهَرِيُّ الأَصبَهَانِيُّ، المُتَوفَّى سنةَ (٣٩٣)، سَمِعَ جُزْءَ (لُوَيْنٍ) المَشْهُورِ مِنْ مُحمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ الحَزَوَّرِيِّ سنةَ خَمْسٍ وثَلَاثُمَائةَ، وكانَ دَيِّنًا فَاضِلًا عَاليِ الإسْنَادِ، وسَمِعَ المُسْنِدَ عَبْدَ الله بنَ مُحمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَابِ، أَبا عُمَرَ السُّلَمِيَّ الأَصبَهَانِيَّ المُقْرِىء،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute