وهِمَّةٍ عَالِيةٍ حَتَّى انْتَهَى مِنْ سَمَاعهِ لأَكْثَرِ عُلَمَاءِ بَلَدِه، ومِنَ القَادِمينَ إليهَا مِنَ الغُرَبَاءِ، ثُمَّ تَطَلَّعتْ نَفْسُهُ إلى الرِّحْلَةِ لِلِقَاءِ الشُّيُوخِ الكِبَارِ أَصحَابِ الأَسَانِيدِ العَالِيةِ، والرِّوَاياتِ الكَثِيرَةِ، فَسَافرَ وطَافَ البِلَادَ، والْتَقَى بالعُلَمَاءِ وجَالَسَهُم.
ج- رِحْلَاتهُ:
كَانت الرِّحْلَةُ لِطَلَبِ الحَدِيثِ تَقْلِيدٌ مُتَّبَعٌ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابةِ الكِرَامِ، إلى عَهْدِ الأَئِمَّةِ الأَعْلَامِ، فَرُوَاةُ الحَدِيثِ لم يَكُونُوا يَقْنَعُونَ بأَخْذِ العِلْمِ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِم، بَلْ كَانُوا يَرْحَلُونَ إلى الأَمْصَارِ والحَوَاضِرِ العِلْميَّةِ.
وللرِحْلَةِ أَهَمِّيتَانِ: أَهَمِّيةٌ يَجْنِيهَا المُحَدِّثُ لِنَفْسِه، وأَهَمِّيَةٌ تَجنِيهَا الأُمَّةٌ بِسَببِه: فالأُولىَ: تَتَمثَّلُ في نَيْلِ أَجْرِ الرِّحْلَةِ في طَلَبِ الحَديث وثَوَابِهَا، قالَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ: (ونَحْنُ مُعْتَقِدُونَ اعْتِقَادًا لَا يَدْخُلُه شَكَّ أنًّ الطَّالِبَ للحَديِثِ مُثَابٌ عَلى طَلَبهِ ... ثُمَّ أَسْنَدَ إلى وَكِيعِ بنِ الجَرَّاح قَوْلَهُ: لَو أنَّ الرَّجُلَ لمْ يُصَبْ في الحَدِيثِ شَيْئًا إلَّا أنَّهُ يمْنَعُهُ مِنَ الهَوَى كانَ قَدْ أصَابَ فِيهِ ... وأَسْنَدَ أَيْضًا إلى زَكَرِيَّا بنِ عَدِيٍّ أنَّهُ رأَى عَبْدَ الله بنَ المُبَارَكِ فقالَ لَهُ: مَا فَعَلَ بكَ رَبُّكَ؟ فأَجَابَ: غَفَرَ لي بِرِحْلَتِي في الحَدِيثِ) (١).
وأَمَّا الأَهَمِّيةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ التِّي حَدَّدَها الإمَامُ إبْرَاهِيمُ بنُ أَدْهَمَ الزَّاهِدُ العَابِدُ بِقَوْلهِ: (إنَّ الله يَدْفَعُ البَلَاءَ عَنْ هَذِه الأُمَّةِ بِرِحْلَةِ أَصْحَابِ الحَدِيثِ)، وهَذا البَلَاءُ الذِي تحَدَّثَ عنهُ هُو بَلَاءُ الجَهْلِ ورَفْعُ العِلْمِ، فإذا عَمَّ الجَهْلُ ورُفِعَ العِلْمُ (اتَّخَذَ النَّاسُ
(١) شَرَفُ أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص ٦٠، و ١٠٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute