للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مَعِيشَةُ أَصْحَابِ النبيِّ رَضِي اللهُ عَنْهُم]

قالَ: حدَّثني يَزِيدُ بنُ زِيَادٍ، عَنِ القُرَظِيِّ، حدَّثني مَنْ سَمِعَ عَلِيَّ بنَ أَبي طَالِبٍ رَضيَ اللهُ عنهُ قالَ: خَرَجْتُ في غَدَاةٍ شَاتِيةٍ مِنْ بَيْتِي جَائِعًا حَرَضًا (١)، قَدْ أَذْلَقَنِي البرْدُ، فأَخَذْتُ إهَابًا مَعْطُونًا قَدْ كانَ عِنْدَنا (٢)، فَجَبَبْتُهُ ثُمَّ أَدْخَلْتُهُ في عُنُقِي، ثُمَّ حَزَمْتُهُ على صَدْرِي أَسْتَدْفِئُ به، واللهِ مَا فيِ بَيْتِى شَيءٌ آكُلُ منهُ، ولَوْ كَانَ في بَيْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيءٌ [لَبَلَغَنِي] (٣)، فَخَرَجْتُ في بَعْضِ نَوَاحِي المَدِينَةِ فَاطَّلَعْتُ إلى يَهُودِيٍّ في حَائِطِه مِنْ ثَغْرَةِ جِدَارِه، فقالَ: مَالَكَ يا أَعْرَابِيٌّ، هَلْ لَكَ في كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَافْتَتَحِ الحَائِطَ، فَفَتَحَ لي فَدَخَلْتُ، فَجَعَلْتُ أَنْزِعُ لَهُ دَلْوًا ويُعْطِينِي تمْرةً حَتَّى إذا ملأَتُ كَفِّي قُلْتُ: حَسْبِي مِنْكَ الآنَ، فأَكَلْتُهُنَّ ثُمَّ كَرَعْتُ في المَاءِ، ثُمَّ جِئْتُ إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسْتُ إليهِ في المَسْجِدِ وَهُو في عِصَابةٍ مِنْ أَصْحَابهِ، فَطَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيرٍ في بُرْدَةٍ لَهُ مَرْقُوعَةٍ بِفَرْوَةٍ، وكانَ أَنْعَمَ غُلَامٍ بمَكَّةَ وأَرَقَّهُ عَيْشًا، فَلَمَّا رآه رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَكَر مَا كَانَ فيهِ مِنَ النَّعِيمِ، ورأَى حَالَهُ التِّي هُو عَلَيْهَا فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَبَكَى، ثُمَّ قالَ: أَنْتُم اليومَ خَير أَم أَنْتُمْ إذا غَدَا عَلَى أَحَدَكُم بِجَفْنَةٍ مِنْ خُبْزٍ، ورِيَحَ عَلَيْهِ بأُخْرَى، وغَدَا في حُلَّةٍ، ورَاحَ


(١) قال ابن الأثير في النهاية ١/ ٣٦٨: يقال: أحرضه المرض فهو حرض وحارض: إذا أفسد بدنه وأشفى على الهلاك.
(٢) معطونا، يقال: عَطِنَ الجلد بالكسر يَعْطَنُ عَطَنًا فهو عَطِنٌ وانْعَطَنَ وُضِعَ في الدباغ وتُرِكَ حتى فَسَدَ وأَنْتَن، اللسان (عطن) ١٣/ ٢٨٦.
(٣) جاء في الأصل: (لَنْبلعَنَّ) هكذا بهذا الضبط، ولم أجد لها معنى، والتصويب من المصادر.